13.9°القدس
13.66°رام الله
12.75°الخليل
18.3°غزة
13.9° القدس
رام الله13.66°
الخليل12.75°
غزة18.3°
الإثنين 09 ديسمبر 2024
4.56جنيه إسترليني
5.05دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.79يورو
3.58دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.56
دينار أردني5.05
جنيه مصري0.07
يورو3.79
دولار أمريكي3.58

خبر: رعاية الحرية ورعاية التطرف في آن واحد

بلال الحسن تتدخل واشنطن في كل شاردة وفي كل واردة، في الأحداث العربية المستجدة؛ إذا تصدت الشرطة لمتظاهرين، تتحرك فورا وتعلن أن على الدولة المعنية أن لا تمنع المتظاهرين من التعبير عن رأيهم الحر. ويبدو هذا التدخل منظرا جميلا، تدافع فيه دولة عظمى عن الحرية والديمقراطية، ولكن هذه الدولة العظمى ما تلبث أن تتحول في لحظة واحدة، إلى مدافع قوي عن انتهاكات يتم ارتكابها علنا، وفي مختلف بقاع العالم، من قبل إسرائيل. لقد اعتدنا أن نسمع أميركا تدافع عن إسرائيل، بسبب ما يسمى تهديد العرب لها داخل حدودها، ولكننا أصبحنا الآن أمام ظاهرة جديدة، تدافع فيها أميركا عن إسرائيل وهي ترتكب انتهاكات ضد الآخرين، وخارج حدودها، في اعتداء على البشر وعلى سيادة الدول. ولو تصورنا محكمة تنعقد في أي مكان في العالم لمحاكمة دولة إسرائيل، فإن المحامين الذين سيكلفون بإعداد ملف الاتهام، سيجدون مهمتهم سهلة للغاية، وسيجدون أيضا تنوعا في الاتهامات التي يمكن توجيهها، بحيث تغدو المحاكمة دراما سياسية ذات تنوع هائل، يبدأ من خطف الأفراد والاعتداء على سيادة الدول، ويمتد إلى التجسس العلني، ويصل إلى الغارات الجوية التي تقتل المدنيين بشكل يومي، ولا يكاد ينتهي عند عمليات الاغتيال التي تنفذ في أي مكان يمكن الوصول إليه. وسيجد المحامون أيضا جانبا آخر لم يألفوه في كل هذه الانتهاكات. سيجدون دولة صغيرة تتجرأ على فعل كل ذلك علنا، ولكنهم سيجدون أيضا دولة عظمى ترعى وتحمي كل هذه الانتهاكات الإسرائيلية. فإذا تحدثنا عن الخطف، نجد أمامنا قصة اختطاف تمارسها إسرائيل ضد سيادة دولة صديقة لها هي أوكرانيا، إذ تقوم باختطاف المهندس (ضرار أبو سيسي) من أوكرانيا إلى إسرائيل، وبحجة أنه يعرف معلومات عن الجندي الإسرائيلي الأسير في غزة (شاليط). وإذا تحدثنا عن الغارات، نجد أمامنا قصة سينمائية بامتياز، تقوم فيها إسرائيل بشن غارة جوية على سيارة ركاب عادية، تتحرك في أحد شوارع السودان، ثم تدعي أنها قتلت الإرهابي الفلسطيني فلان الفلاني، بينما هي تقتل مواطنين سودانيين. وإذا تحدثنا عن الاغتيالات، فيمكن لملف المحامين أن يبدأ من حادث اغتيال (المبحوح) في دبي، حيث تم تدوين هذا الحادث بالصوت والصورة. ثم يستطيع الملف أن يتوقف طويلا عند حوادث اغتيال من نوع خاص، وهو اغتيال الدولة الذي يتم عمدا على الرغم من قدرة الدولة على اعتقال الشخص، أو الأشخاص، الذين يتم اغتيالهم، ومحاكمتهم. ويجري هذا الاغتيال دائما داخل دولة إسرائيل، ويجري هذا الاغتيال دائما ضد المناضلين الفلسطينيين، ويتم أحيانا عند الوصول إلى سرير نوم الشخص المطلوب. يصل هذا النوع من الاغتيال إلى مستوى الاعتداء مع سبق الإصرار والترصد، وهو نوع من الاغتيال يطرب له المحامون، لأنه يحتوي على كل الأدلة الجرمية اللازمة للإدانة. وترتكب إسرائيل كل هذه الانتهاكات، بينما هي تدعو للسلام. وقبل أيام قام إيهود أولمرت رئيس الوزراء السابق، بالهجوم بقسوة على رئيس الوزراء الحالي نتنياهو، لأنه لا يعمل كفاية من أجل إنجاز السلام مع الفلسطينيين، ولأن سمعة إسرائيل في العالم أصبحت بسبب ذلك سمعة سيئة. ولكن ما إن ينهي أولمرت كلامه عن السلام في المساء، حتى يبادرنا في صباح اليوم التالي بكلام مناقض يدعو فيه إلى الحرب، مؤكدا «ضرورة القيام بعملية عسكرية واسعة النطاق في قطاع غزة، عملية مخططة بشكل جيد، ومحددة الأهداف، وكبيرة الحجم، من أجل تغيير الوضع الحالي في غزة». ولا ينسى أولمرت أن يضيف أنه يجب أن نرفق العملية العسكرية بخطوات سياسية لتحظى بدعم المجتمع الدولي كله، وهنا سنقول للأميركي: هل ما تفعلونه في ليبيا مجاز لكم، وما نفعله في غزة ممنوع؟». إن هذا النوع من الحرب المستندة إلى الدبلوماسية، أو الدبلوماسية المستندة إلى الحرب، لها في إسرائيل جذر أعمق. فإسرائيل تقول علنا إنها تستعد للحرب، وهي تستعد لحرب إقليمية تشمل لبنان وسورية وفلسطين وإيران. وهي بالطبع حرب كبيرة، حرب لا تستطيع أن تقدم عليها إسرائيل منفردة، ولا بد أن يتوفر لها دعم دولي، ودعم أميركي بشكل خاص، يعبر عنه وزير الدفاع (إيهود باراك) بحديث مفصل عن بطاريات يسمونها (القبة الحديدية) التي تقدمها أميركا لإسرائيل، استعدادا لهذه الحرب الإقليمية الشاملة. وفي سياق هذا كله، تحاول السلطة الفلسطينية، أن ترد على هذا المنهج الإسرائيلي الذي يعطل أي نوع من مفاوضات التسوية، باللجوء إلى الأمم المتحدة، لانتزاع قرار يقول بضرورة إنشاء دولة فلسطينية في حدود عام 1967. ويبرز في هذا السياق توجه أوروبي لإصدار بيان يدعو إلى التسوية، ويسجل تأييده لدولة فلسطينية في حدود عام 1967، وتؤيد روسيا هذا التوجه الأوروبي، وهنا تبذل إسرائيل جهدا ملموسا لتعطيل هذا التوجه الأوروبي، ويقوم رئيس الوزراء نتنياهو بإيفاد مستشاره (إسحق مولخو) إلى موسكو سرا لإقناع موسكو بعدم المشاركة في المبادرة الأوروبية، وبهدف إحباط هذه المبادرة من داخلها. وهو أمر طبيعي جدا، إذ ما دامت إسرائيل تستعد للحرب، فلا بد من أن تعمل على إحباط التسويات السياسية، وهو موقف أصبح شائعا ومعروفا عربيا وعالميا. والسؤال الآن هنا: هل تستطيع إسرائيل أن تضع لنفسها هذه السياسة، وأن تسعى لتطبيقها منفردة؟ والجواب قطعا لا. ذلك أن نفوذ إسرائيل السياسي في المنطقة العربية، وفي العالم، هو نفوذ يستند إلى دعم الولايات المتحدة الأميركية، واستعدادها للحرب لا يتم إلا بدعم أميركي، وبتوجيه أميركي. وحين تنطلق حركات التغيير العربية، وحين ترتفع فيها شعارات الحرية والديمقراطية، تبرز سياسة أميركية متناقضة في التعامل مع هذه الظاهرة، فهي تدعم علنا مطلب الحرية والديمقراطية، وهي تترجمه علنا أيضا، بأنه يجب أن يعني في النهاية إنجاز سلام مع إسرائيل، وحسب مطالب إسرائيل وشروطها، والتي بادر الرئيس أوباما إلى تأييدها علنا أيضا، حين تراجع عن إدانة الاستيطان (فيتو مجلس الأمن)، وحين أيد (حق إسرائيل التاريخي في أرض إسرائيل التاريخية) في رسالة التهنئة بذكرى تأسيس دولة إسرائيل، وحين أيد شعار (يهودية دولة إسرائيل). وغالبا ما تضيع هذه القضية الجوهرية في زحام النقاش السياسي العربي الدائر. إذ ينشغل كثيرون بتتبع أخبار المظاهرات وشعاراتها، وينسون تتبع تدخلات الدول الكبرى، وأحيانا تدخلات الدول الإقليمية، من أجل الإبقاء على النفوذ الأميركي قائما وفاعلا في المنطقة. وهنا، لا يعود عمل المحامين مطلوبا فقط، إذ لا بد أن يتداخل عمل المحامين مع عمل السياسيين، إذ لا يمكن رعاية الحرية والديمقراطية ورعاية الانتهاكات في آن واحد.