قلنا إن الحرب الباردة في الشرق العربي الإسلامي بدأت فيما أحسب بالحرب الإيرانية العراقية ، وهي تسير في خطوات متسارعة عاماً بعد عام في المنطقة لتتجاوز حدود العراق والخليج العربي ،وتفرض نفسها على دول الربيع العربي على قواعد في السياسة فاسدة وذات ملامح عفنة بارزة ، ومن ملامحها هذه: أولاً: الخلافات المذهبية الطائفية الموروثة: قاعدة الخلافات المذهبية قاعدة تقليدية موروثة، وهي تتغذى على عداوات قديمة ، وعلى ثارات جديدة ، مع رغبة في السيطرة والتوسع والانتشار وتتداخل فيها الجغرافيا السياسية مع المذهبية الطائفية في (العراق، وسوريا، ولبنان ، وإيران، والبحرين، والكويت ، والمنطقة الشرقية من السعودية، حيث تتركز الثروة النفطية). وتقوم على إشعال هذه القاعدة المتفجرة بالخلافات المذهبية فضائيات متعددة تبحث في الخلافات القديمة الجديدة وتسقطها على الواقع المعيش، أكثر مما تبحث في آفاق التعاون والتفاهم والحوار، ومواجهة أخطار الحرب الباردة التي يوشك أن يغرق فيها الشرق الإسلامي كله. إنه لمن المؤسف أن قادة من العلماء المحترمين من أصحاب الحظوة الشعبية ، والقبول عند الرأي العام يساهمون في هذه المعركة المذهبية، التي هي جزء رئيس من أجزاء الحرب الباردة ومكوناتها وتسعى أمريكا والصهيونية إلى تفجيرها في منطقة الشرق الإسلامي باعتبارها أحد البدائل الممكنة لحفظ مصالحهما في منطقة الشرق العربي الإسلامي ، واستبقاء دوله في حاله ضعف ، واستنزاف لقدراتها. إن بعض ما يقوله السادة العلماء الأجلاء في الفقه صحيح ولا جدال فيه ، ولكن الخلاف فيه قديم موروث أيضاً ، وكانت تأثيراته القديمة على الأمة الإسلامية سالبة ، وإيقاد نيرانها الآن لأدنى الأسباب أو الملابسات هو أكثر إساءة إلى الأمة من ذي قبل ، لأن الأمة تعاني من حالة ضعف ، وفقدان السيطرة على ذاتها وعلى مقدراتها وعلى مشاكلها ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى لأن الاستراتيجية (الصهيونية ـ الأمريكية) تغذي هذه الخلافات وتمدها بالوقود اللازم للوصول إلى غايتها الشريرة في إعادة رسم خريطة المنطقة وإضعاف الشرق العربي الإسلامي ، واحتواء (المتغير) الكبير الذي أسميناه الربيع العربي وإشغاله لمنعه من تحقيق أهدافه. إنه لو أدرك قادة الشرق الإسلامي والعلماء فيه على وجه التحديد معنى (العافية) والحاجة إليها، ومعنى (الحرب الباردة) والحاجة الوقائية إلى نبذها وجعلها خلف ظهر الأمة لسعوا معاً لإيجاد حل مشترك يخرجهم من أتون الحرب الباردة ، والحرب القادمة ، التي يراد منها استنزاف الشرق الإسلامي أو إحراقه ، واستبقاؤه في دائرة التبعية والضعف ، تحقيقا لجوهر الاستراتيجية (الأمريكية الصهيونية) التي تستهدف إشغال الأمة بنفسها بعيداً عن فكرة التحرير ، وبعيدا عن (إسرائيل). الحرب الباردة على قاعدة مذهبية ، وجغرافيا سياسية ، قائمة الآن ونيرانها بين مشتعلة أو تحت الرماد، وهي قابلة للتطور باتجاهات سلبية مؤكدة على مستوى فلسطين وعلى مستوى الأمة ، ومظاهرها تكاد تكون ملموسة لكل بصير ، ولكل غيور . (يتبع)
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.