23.89°القدس
23.5°رام الله
22.75°الخليل
26.6°غزة
23.89° القدس
رام الله23.5°
الخليل22.75°
غزة26.6°
الأربعاء 31 يوليو 2024
4.8جنيه إسترليني
5.28دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.05يورو
3.74دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.8
دينار أردني5.28
جنيه مصري0.08
يورو4.05
دولار أمريكي3.74

خبر: "شحتة حديثة"

ما أن تمر بسوق أو تمشي بشارع حيوي في غزة ، إلا وتجد من يمد لك يد العون ، رجل كان أم امرأة يسمعوك من الدعاء لا أول له ولا آخر ، تستوقفك قصص هي أقرب للخيال من الحقيقة. أعلم قولة عمر الفاروق : لو أن الفقر رجلا لقتلته ، لكن الفقر بحد ذاته ، ليس عيبا ، ولا ينتقص من كرامة الإنسان ، بل إن الإنسان نفسه يمتهن كرامته ، بمد يده على الملأ ، سواء في سوق أو حتى مسجد ، بل ويبكي استعطافا للناس . لا شك أن وضع غزة انعكس سلبا على كثير من الأسر ، لكن فيها من أهل الخير والجمعيات الخيرية ما يرعى المحتاجين والفقراء وهناك لجان اجتماعية تقف إلى جانب البيوت المستورة في كافة المساجد والأحياء . إذن يبقى السؤال ، لما الاضطرار إلى استجداء المارة أو المصلين ، وتعرض النفس لذل السؤال ؟!..حادثتان اثنتان ، ما دفعني إلى طرق هذا الموضوع الذي أصبح ظاهرة في غزة . أحدهم في رفح قام بعد صلاة جمعة ما، متحدثا عن وضعه البائس وأنه لا يحتاج للأكل بقدر ما يحتاج لما يستر به أبنائه وبناته ، وأنهى حديثه بالبكاء ، ثم جلس عند أحد أبواب المسجد ، مادا يده ، شاب أعرفه سأله عن سكناه ، ليأتيه بالمساعدة إلى بيته ليريحه ذل السؤال ، فتفاجأ أنه من خانيونس ؟ ..من الذي جاء به إلى رفح ويحتاج على الأكثر عشر شواقل ذهابا وإيابا؟ علما أن السائل سبق له أن وقف نفس الوقف في ذات المسجد. الأغرب من ذلك ، إمراة ونحن نستعد لصلاة العشاء ، إذا بها تقف عن مدخل المسجد ، تطلب العون ، سألناها من أين أنت ، لنوصى من هم قريبين منها ، كانت الصاعقة أنها من جباليا..من الذي جاء بها من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب وفي الليل؟!! علما أنها تحتاج على الأقل 20 شيقل. وما يزيد الشكوك حولهم ، كثيرا ما ترى نفس السائل في أكثر من مكان ،صباح مساء ، وهناك من يقول أن وراءهم من يديرهم ويوزعهم على الأسواق والشوارع الأكثر حيوية وحركة في القطاع. أنا عن نفسي لا أصدقهم و لا أعطي أحداً منهم ، ذلك أني وقعت في فخ ما يعرف " بالشحتة الحديثة " ، أوقفني أحدهم وأنا خارج من جامعتي بغزة قبل 3 أعوام ، شاب لا يبدو عليه "شحات" ، يرتدي من الثياب أجملها ، سلم علي سلاما حارا ، وقال : أنا من خانيونس ، ونسيت جواز سفري وفقدت نقودي ، وأحتاج فقط ما يوصلني إلى البيت لآتي به ، إلى داخلية غزة ، للتسجيل لسفر طارئ ، أشفقت على حاله ، وأذكر أني أعطيته ما يفوق العشر شواقل. بعدها بأيام كنت في زيارة عائلية ، قلت لهم ما حصل معي ، فعلت الأصوات ضاحكة ساخرة ، فكان " أني ضحية الشحتة الحديثة زي أبو فلان وفلان". وتشاء الأقدار أن يتكرر المشهد ، قبل أقل من عام تقريبا ، أوقفني أحدهم وأنا عائد من عملي في طريق الجامعة أيضا وعند ذات المكان ، وقصة أخرى ، قال : زوجتي مريضة في مستشفى وتحتاج للدواء وأنا لا أملك إلا كذا وكذا وأحتاج " 11 شيقلا " ، تذكرت ذاك الموقف الذي لن أنساه ، ضحكت وانصرفت ، علما أنه كان مرتبكا لم "يحبك" قصته جيدا ، كسلفه ، فأكثر ما يغضبني " الاستخفاف أو استغلال " الآخر ، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. لذلك ، أيقنت من يومها أن "الشحتة" ما هي إلا مهنة لكثير ممن هانت عليهم أنفسهم ، وليس مجرد طلب حاجة ، يسد بها جوعته أو يستر عورته ، ونسمع أن فلان مات وترك وراءه أموالا كثيرة " وكان شحاتا على قارعة الطرقات".