8.9°القدس
8.66°رام الله
7.75°الخليل
15.18°غزة
8.9° القدس
رام الله8.66°
الخليل7.75°
غزة15.18°
الثلاثاء 03 ديسمبر 2024
4.62جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.83يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.62
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.83
دولار أمريكي3.65

خبر: رئيس يجسد الشخصية المصرية

لعل من أبرز تداعيات الثورة في مصر حتى الآن أنها فتحت باب الرئاسة أمام جميع المواطنيين، بصرف النظر عن الحزب الذي ينتمون إليه أو الأيديولوجية والعقيدة التي يؤمنون بها . ودولة بحجم مصر ومكانتها الإقليمية والدولية، وبحجم المشكلات والتحديات الداخلية التي فجرتها الثورة، تحتاج إلى رئيس قوي وضعيف في آن، والمقصود بالقوة أن تكون لديه من الصلاحيات والسلطات ما يجعله قادراً على تحقيق أهداف مصر التي يفترض أن تتطابق معها أهداف الثورة، من استعادة لدور مصر الإقليمي والدولي، ووضع وتسخير كل إمكانات القوة لتحقيق نهضة اقتصادية وعلمية وتكنولوجية شاملة تتواكب مع هذا الدور، وضعيف في الوقت ذاته بمعنى توافر كل الآليات والكوابح الدستورية التي تحول دون أن يُسيء الرئيس القادم إلى صلاحياته الدستورية، وحتى لا يعود مفهوم حكم الفرد الذي لا يحاسب من جديد . وهنا أستحضر منصب الرئيس الأمريكي الذي يعد من أقوى وأعلى المناصب الرئاسية في العالم، فهو يجسد النظام الرئاسي بكل مظاهره، ومع ذلك فهو ضعيف في ممارسته لسلطاته الدستورية اللامتناهية، فالكونغرس أي السلطة التشريعية تقف له بالمرصاد وتشاركه كثير اًمن سلطاته، وكذا السلطة القضائية التي تجسدها المحكمة الاتحادية العليا وتقوم بالإشراف على دستورية الدستور، ولقد كان هدف المؤسسين الأوائل لأمريكا هو أمريكا القوية التي يجسد وحدتها رئيس واحد تذوب فيه كل الولايات، ويجسد روح المواطنة الواحدة، لذلك هو المنصب الوحيد الذي ينتخبه كل الأمريكيين . وبالعودة إلى مصر، المطلوب الآن هو هذا الرئيس الذي يجسد الشخصية المصرية كلها، الرئيس الذي يشعر معه المصريون بأن لهم في هذا الرئيس، وبأنهم قد أسهموا في اختيارهم له . هذا هو أكبر تحدٍّ يواجه كل المصريين ويواجه ثورة مصر، وعلى المصريين أن يحسنوا اختيار هذا الرئيس الذي قد يأتي لأول مرة في ظل بيئة سياسية جديدة، وفي ظل انتخابات رئاسية تنافسية متعددة غير مسبوقة، ولم يعهدها المواطن المصري العادي الذي اعتاد ترشح شخص أو اثنين يختار أحدهما، أو بمعنى أدق هو رئيس واحد لا مجال لاختيار غيره . والسؤال هنا، على أي أساس ستكون المفاضلة؟ هل هي البرنامج السياسي؟ لا أعتقد كذلك، لأن كل البرامج السياسية لكل المرشحين ستكون متقاربة إن لم تكن متطابقة، بمن فيهم المرشحون المسلمون الذين قد يكون لهم هدف استراتيجي في تأكيد الطابع الإسلامي للحكم ولو على المدى البعيد . وهل ستكون المفاضلة على القسم والإخلاص والصدق في النوايا من أجل خدمة مصر؟ الكل يؤكد ذلك . هل ستكون المفاضلة بالسيرة الذاتية؟ فملايين المصريين لا يعرفون السير الذاتية للمرشحين . ولو عدنا إلى الانتخابات الرئاسية وقرأنا جميعاً البرنامج السياسي للرئيس السابق حسني مبارك، وقمنا بقراءته أكثر من مرة، سنجد أنه برنامج شامل ويضع الأساس لنهضة مصر، ولا أعتقد أن أي برنامج جديد قد يفوقه في شموله، ومع ذلك لم يطبق هذا البرنامج، وكان مجرد وعود بالتنفيذ . إذاً، المفاضلة بين رئيس وآخر هي في الاختيار السليم للناخب المصري، وفي الترشح السليم أيضاً لمن يرى في نفسه القدرة على تحقيق العدالة والكرامة للمواطن المصري . رئيس لديه الصدق والإخلاص الوطني، والرؤية السياسية المستقبلية التي تضع مصر في أول سلم موازين القوة، فمصر لديها كل عناصر القوة والقدرة على أن تنهض بنفسها، ولكن كان ينقصها دائماً الرئيس القادر على ترجمة عناصر القوة المتاحة والممكنة إلى واقع ملموس يلمسه المواطن العادي، وفي صورة برامج وخطط تنموية متدرّجة بعيدة عن كل مظاهر الفساد المالي والإداري والسياسي، وبعيداً عن احتكار هذه المصادر من قبل حفنة واحدة، والمطلوب رئيس يخرج من الرئاسة بذمة مالية صادقة . ومن الأمور المهمة في التاريخ السياسي لمنصب الرئاسة المصرية، أن الانتخابات الرئاسية هذه المرة مغايرة تماماً لما سبقها: أولاً لأن الهدف اختيار أول رئيس مدني منذ ثورة ،1952 وفي هذا الاختيار ترسيخ لنظام الحكم المدني، والإخفاق في ذلك تأكيد لحكم العسكر، وثانياً، هذا الاختيار يأتي بعد انهيار نظام الحزب الواحد الحاكم، والإخفاق في ذلك أيضاً هو إخفاق لأول حاكم لمصر لا يعرف أحد إلى أين سيأخذ مصر معه . وثالثاً أن هذا الاختيار يأتي بعد فترة حكم الرئيس الواحد الذي طغى عليه البعد العسكري، ويأتي رابعاً في ظل تحديات وحجم من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والخارجية تفوق قدرة أي رئيس وحده، لكل هذه المعطيات فالمطلوب رئيس قوي وضعيف يوحد مصر في هوية حضارية وسياسية واحدة، وينطلق بمصر في رحاب التقدم والنهضة الشاملة، ويدرك أنه سيعود مواطناً عادياً يحترمه ويقدره شعبه، ولا ينتهي حكمه بالثورة عليه أو التنحي، رئيس يرى فيه المصري المسلم والمصري القبطي، والليبرالي والقومي والإسلامي نفسه في هذا الرئيس وأن له نصيباً فيه .