داخل منزله في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، يجلس الفنان التشكيلي حسام عابد في غرفته الفنية، تحيط جدرانها اللوحات الفنية المتنوعة، في جهة آيات قرآنية خُطّت بأنواع من الخطوط العربية الجميلة، وفي جهة أخرى رسومات تشكيلية مختلفة تحمل رسالة أو تعبّر عن فكرة يريدها الفنان.

أكثر ما يلفت انتباه الناظر إلى اللوحات الفنية هو اللمعان الذهبي الساطع منها، الناتج من قش القمح الذي يستخدمه الفنان التشكيلي حسام عابد 43 عامًا في رسم لوحاته، كأول فنان فلسطيني يعيد استخدامه منذ عشرات السنوات في فلسطين والأقلة على مستوى الوطن العربي، وتستعرض "فلسطين الآن" طبيعة عمل الفنان من خلال هذا التقرير.

انطلاق الإبداع

لوحة فنية بقش القمح معلقة في البيت لفتت انتباه الفنان عابد منذ أن كان يبلغ 12 عامًا، لوحة رسمتها والدته باستخدام قش القمح، لتكون هذه اللوحة بقش القمح فكرة جديدة وغريبة، استهوته ليجدده ويبدع فيه خاصة مع موهبته في الخط العربي.

ويذكر الفنان عابد بداية انطلاقه " لفت انتباهي منذ أن كان عمري 12 عامًا لوحة في البيت رسمتها والدتي وكانت متقنة لاستخدام قش القمح في اللوحات، وسألتها ما طبيعة هذه اللوحة وأوضحت لي، فاستهوتني الفكرة".

وأضاف:"استهوتني الفكرة كونها شيء غريب أن ترسم بقش القمح وغير موجود فكل الأشياء الموجودة الآن حديثة"، موضحًا هذا الفن التشكيلي باستخدام قش القمح نوع  جديد لإنتاج لوحات جمالية إبداعية، كان يعود إلى عصر الخمسينيات وما قبل ذلك، وكان موجود ويرسمون به.

وانطلق الفنان بأول لوحة بقش القمح كتب فيها عبارة "الحمد لله"، ليمارس بعد ذلك ويبحث عن القش وأنواعه، منوهًا إلى أن "أغلب اللوحات التي كنت أعدها عبارة عن إهداءات للأقارب والأصدقاء، فعندما يأتون إلى البيت يرون رسومات غريبة وجميلة فأقدمها لهم، ولم تأت لي فكرة أن تكون تجارة أو أطور منها كمعرض أو أشارك في مسابقات، وأنا أعتبرها هواية في فن جديد أحب أن أجدده".

قش القمح

وأكد الفنان عابد أنه يحصل على قش القمح في شهر مايو فقط في موسم القش، مبينًا أنه أعواد القش يجب أن تكون لها مواصفات معينة بطول معين ولون معين، خصوصا اللون الذهبي الذي يشكل لوحات فنية جميلة.

ويستخدم الفنان القش ذو اللون الذهبي الخالص، مستعينًا بالحرق للحصول على الشكل الذي يحتاجه في لوحته وكذلك للحصول على التدرج اللوني المناسب، ويشكل لوحته بأرضية سوداء من قماش القطيفة، مما يعطي انعكاس جميل للون القش الذهبي.

ويشير عابد إلى أن إعداد اللوحات بحاجة إلى تركيز كبير جدًا، واللوحة الواحدة تحتاج من ثلاثة إلى أربعة أيام ليتم إنجازها، وبعض اللوحات أسبوعين أو ثلاثة، منوهًا أن مقاس بوص القش يقيده في إطار معين ومساحة معينة للوحات التي يرسمها.

وعن جمال رسوماته يقول:"توجهت لكتابة الآيات القرآنية ووجدت الكثير من الآيات القرآنية الجميلة التي من الممكن أن أرسمها، أرسمها بالقلم ثم أضع القش، وهذا يحتاج إلى تركيز كبير جدا"، مضيفًا:" "الآن أصبغ القش بالألوان وأقوم بعمل تدريج للألوان، وهذا يحتاج إلى جهد إضافي أيضًا".
 

"وأفوض أمري إلى الله"، "ألا بذكر الله تطمئن القلوب"، من الآيات القرآنية التي كتبها بقش القمح في لوحاته، وأجمل لوحتين تربطه بهما علاقة خاصة، لوحة كتب عليها آية قرآنية "لا تحزن إن الله معنا"، ولوحة بها صورة أسد مزينة ببيت من الشعر.

قشة في لوحة ورسالة

ويرى الفنان عابد أنه يقدم عملًا فنيًا غريبًا وجديدًا وغير موجود، وقال:"الرسم بقش القمح يعني لي الكثير، فكل اللوحات التي أنجزها أعلقها على الحائط في الغرفة، وعندما أنظر إليها أشعر أني موجود في كل لوحة وكأني قشة في كل لوحة ولا يمكن أستغني عنها".

وفي أحاسيسه يريد الفنان أن يرسم لوحة يحس فيها داخليًا، ويقول: "أبحث ماذا أريد أن أرسم وماذا يعبر عن داخلي، فكل لوحة أعملها بإحساس داخلي لأنها كانت هواية من داخلي، فأنا أجلس على لوحة 4 ساعات يوميًا ولا أقوم عنها أبدا لأني أشعر أني داخل اللوحة".

ويبيّن أن شقيقته حاولت تعلم فنه لكن قش القمح يحتاج إلى صبر كبير، متمنياً أن يتعلم أي أحد هذا الفن، لأنه ممكن لو تعلمه أحداً أن يكون أفضل ويبدع ويقدم لوحات فنية جميلة.

وينوى عابد إقامة معرض للوحاته، والقيام بعمل تجسيدات فنية وعدم الاقتصار على الكتابة فقط، منوهاً إلى أن رسالته هي "أننا داخل فلسطين يوجد فن قديم ومندثر من زمن، ورغم الاحتلال والأوضاع نريد أن نحييه، ويجب أن نصدره خارج فلسطين".