لا تنتهي حكاياتنا مع الإدارة العامة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، فمنذ وعينا عليها يوم كانت أمهاتنا يتصببن عرقا وبؤسا في طوابير “المؤن”، وهي تبحث عن مبررات لتقليص خدماتها كجزء من مسلسل شطب قضية اللاجئين التي تشكل أحد أهم العناوين الحيوية لقضية فلسطين. ما بين جيلنا الذي حصل على وجبات غذائية في مطاعم الوكالة التي تنتشر في المخيمات، ومعها سائر الاحتياجات المدرسية من دفاتر وأقلام ومساطر ومحايات، وبين الجيل الحالي الذي لا يجد شيئا من ذلك باستثناء المدارس، ثمة رحلة طويلة عنوانها التقليص، ودائما بحجة الميزانية. ولولا بعض الاحتجاجات التي يقوم بها اللاجئون وممثلوهم لربما انتهت سائر الخدمات منذ وقت لا بأس به. تابعنا على مدار ربع قرن من الكتابة هذا المسلسل وحذرنا من مغبة التساهل في مواجهته من قبل المعنيين بالقضية عموما، وبحق العودة كنقيض للتوطين، مع أننا نؤمن أن لا حق للعودة من دون التحرير. ومع أن من الصعوبة بمكان القول إن النجاح كان حليف المعركة، إلا أن المواجهة قد تمكنت من الحفاظ على بعض الخدمات التي تقدمها الوكالة لأبناء اللاجئين. اليوم نحن إزاء احتجاج واسع النطاق تقوم به لجان العاملين في الوكالة على نحو موحد، وذلك في سياق من المطالبة برفع الرواتب التي تآكلت خلال السنوات الأخيرة بفعل التضخم وارتفاع الأسعار. حتى هذه اللحظة لم يلمس ممثلو العاملين في الوكالة أية استجابة لمطالبهم رغم أنها مشروعة تماما، لاسيما فئة المعلمين التي تشكل الجزء الأكبر من العاملين، والذين باتت رواتبهم تشبه رواتب العاملين في الحكومة، بل ربما أقل من ذلك للموظفين الجدد، رغم التزام تقليدي بأن تكون أفضل، مع العلم أن وضع معلم الوكالة يبدو أصعب من حيث الالتزامات من نظيره في الحكومة، لجهة دوام يوم السبت، ولجهة الضوابط الكثيرة التي تجعله أكثر تعرضا للعقوبات. وفي آخر التعيينات ثبت ذلك العزوف الذي نتحدث عنه حيث لم يكن المتقدمون لملء الشواغر بالمستوى المطلوب لا من حيث العدد ولا الكفاءة. بعد التحسينات التي طرأت وستطرأ على رواتب معلمي الحكومة لن تعود الوكالة جاذبة للكوادر الجيدة، وإذا لم يطرأ تغيير على هذا الوضع، فإن مستوى التعليم سيأخذ في التدهور، ولذلك فإن مطالب المعلمين، ومعهم سائر العاملين تبدو محقة إلى حد كبير. لقد أثبتت عمليات المسح التي أجرتها الوكالة نفسها ما ذهب إليه ممثلو العاملين، لكنها تجاهلت ذلك بدعوى أن المسح لم ينته بعد، لكن واقع الحال يثبت أن الموقف بالغ الوضوح، وأن مطالب العاملين محقة ولا مجال لغير الاستجابة لها بشكل سريع ودون تردد. اليوم نحن إزاء احتجاج متدرج ومحق في الآن نفسه، والأمل أن تستجيب إدارة الوكالة وتبادر إلى منح العاملين علاوة المئة دينار التي يطالبون بها، وذلك تجنبا للتصعيد على مرمى الامتحانات النهائية للمدارس وكليتي ناعور ووادي السير، مع العلم أن بوسع تلك الإدارة التفاوض مع ممثلي الوكالة بعيدا عن الروح الفوقية التي تتعامل بها في كثير من الأحيان. أما حديث الموازنة فيمثل ذريعة تقليدية طالما سمعنا بها، وهي ليست مشكلة العاملين بأي حال، إذ على الإدارة أن تتدبر نفسها؛ هي التي تمنح كبار موظفيها (بخاصة الأجانب) رواتب فلكية لا تعجزها حكاية الموازنة!! مرة أخرى نتمنى أن تبادر إدارة الوكالة إلى تسوية الموقف من دون إضراب ولا تصعيد، وهي قادرة على ذلك إذا توفرت النوايا الإيجابية، إلى جانب التعامل مع موظفيها وممثليهم بما يستحقونه من احترام وتقدير. تبقى نقطة مهمة تتعلق بموقف الحكومة مما يجري من صراع بين إدارة الوكالة وبين ممثلي العاملين فيها، ليس لأسباب اقتصادية تتعلق بعبء التعليم في حال تخلي الوكالة عن التزاماتها، بل أيضا لأسباب تتعلق بالبعد السياسي، لأن تراجع الوكالة التدريجي عن الوفاء بالتزاماتها يشكل عنوانا مهما لشطب حق العودة وقضية اللاجئين، الأمر الذي يعني الكثير كما يعرف المعنيون، إذا كانوا معنيين حقا بمواجهة المخطط. هناك نقطة ذات علاقة بملف إدارة وكالة الغوث، وهذه المرة تتعلق بالاحتجاج الذي نفذه موظفون في قطاع غزة بسبب إقدام الإدارة على التحقيق مع ستة من موظفيها على نحو استخباري يصب في خدمة الاحتلال، الأمر الذي يشير إلى تجاوز الإدارة لمهامها وإصرارها على خدمة الاحتلال، ليس في السياق السياسي وحسب، بل وفي السياق الأمني أيضا.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.