كثيرا ما نسمع عن قصص لعائلات شتتها الاحتلال الإسرائيلي، وهذا بالضبط ما حل بعائلة الشاب عروة دوابشة من قرية دوما جنوبي نابلس.
ففي نيسان الماضي 2016، كان عروة الذي يقطن في الأردن منذ أكثر من خمس سنوات، يصل لمعبر الكرامة برفقة شقيقته وطفليه خالد -5 سنوات- وجود عام ونصف، ويترك والدتهما إسلام عيّاد -التي تعود أصولها لغزة- في بيتهم في العاصمة الأردنية عمّان.
جاء الوالد ليسجل أولاده بالهوية، حتى يحصلان على شهادة ميلاد.. وإلا فقدا الجنسية الفلسطينية، لكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن.
فقد أوقفوه ضباط المخابرات الإسرائيلية واعتقلوه، فدخلت الشقيقة بأبناء أخيها للضفة وصولا لمنزل العائلة في قرية دوما بنابلس شمال الضفة الغربية.. ولأن الأم لا تملك تصريح مرور أو "لم شمل"، عادت إلى غزة عبر مصر.. وبهذا تفرقت العائلة.
"فلسطين الآن" التقت بالجدة أم عامر عائشة دوابشة، وأنجالها، بالطفلين خالد وجود.
هنا تحاول العائلة والجدة تحديدا تعويضهم عن غياب الوالد والوالدة، لا سيما أنهم في مقتبل العمر وبحاجة ماسة إلى حنان الأب والأم.
تروي القصة، مشيرة إلى أن عروة مكث بالأردن عقب زواجه، أنجب خلالها طفليه، وتعرّض لإصابة عمل أقعدته شهورا طويلة طريح الفراش حتى قرر القدوم بهما لتسجليهما.
تقول "اعتقلوا عروة بعد التحقيق معه لأكثر من ساعتين لدى مخابرات الاحتلال.. وحكموه بالسجن 18 شهر.. ومن يوم اعتقاله لم نره إلا لدقائق في المحكمة".
محاولات للتواصل
وقد اتجهت العائلة إلى عدد من مؤسسات حقوق الإنسان لتساعدها في لمِّ شمل الأطفال مع أمهم، لكن دون نتيجة.
وبات من المستحيل على الأطفال مغادرة الضفة الغربية، لأنهم دخلوا الأراضي الفلسطينية على جواز سفرهم الأردني، ولا يُسمح لهم بالمغادرة دون ولي الأمر، إلا إذا كان عمرهم فوق خمس سنوات.
ولجأت العائلة إلى استصدار رقم وطني فلسطيني للطفلين على أمل أن يتيح ذلك لهم العودة إلى حضن أمهما في عمّان، لكن ذلك زاد من مأساتهم، فإصدار جوازي سفر فلسطينيين لهما من أجل تجاوز الجسر إلى الأردن سيترتب عليه حرمانهما من جوازي سفرهما الأردنيين، وبالتالي من الإقامة في الأردن في كنف والدتهما.
ونشر الصحفيان الإسرائيليان "جدعون ليفي" و"إليكس ليبك" في صحيفة "هآرتس" مؤخرا، مقالة موسعة حول قصة عائلة دوابشة، إذ أشارا إلى أن (ما يسمى) بـ "منسق أعمال الحكومة في الأرض المحتلة"، إدعى أن المخابرات العامة هي المسؤولة، ولا تعطي تفسيرا لقراراتها.
وجاء في المقالة "من الصعب أن تفسر للطفلين الصغيرين، سبب ابتعاد والديهما عنهما، ومتى يرونهما ثانية.. خالد دوابشة، ابن الثالثة والنصف، يترفّق في حضن عمّه. لكنه ما أن يتركه عمّه، ولو للحظة، حتى يهرع إلى الباب، يفتحه ويخرج إلى الشارع، كأنه يحاول الهروب من البيت، لأنه ليس بيته. يكاد خالد ألّا يتكلم، الاتصال معه محدود، منذ اعتقاده أن أمّه تخلّت عنه. مع أنها تتصل به هاتفيا يوميا، لكنه يرفض الردّ عليها بالهاتف".
وتابعا "أكثر من خمسة أشهر لم ير أُمه، منذ أن فُصِل عنها، ومن غير الواضح متى يراها ثانية. أيضا لم ير أباه منذ ذلك الحين، باستثناء مرة واحدة، حين رآه مكبلا بالقيود، في قاعة المحكمة العسكرية في قرية "سالم".
من الصعب أن تشرح لخالد، لماذا أبواه ليسا معه، ومن الصعب أن تشرح له متى سيراهما ثانية. أبوه في السجن وأمّه في غزة.
جود الأخ الصغير لخالد، ينام في سلة للصغار خفيفة، لم يبلغ السنتين، ومع ذلك يتكلم مع أُمّه في الهاتف، كما يتكلم طفل بسنه، هو أصغر من أن يستوعب ما يدور حوله، وفي الحقيقة، مَنْ يمكنه أن يستوعب، كيف يشرد الاحتلال عائلات: الأم مُبْعدة عن الأب بتعسف، وهما مبعدان عن أبنائهما الصغار.
انقطاع تام
والانقطاع بين قطاع غزة والضفة الغربية شبه تام، والمآسي الإنسانية تتكاثر.
وحسب معطيات منظمة "غيشاه"، فـ26% من سكان قطاع غزة لهم أقرباء في الضفة الغربية، وأن 7% من سكان غزة لهم قرابة من الدرجة الأولى في الضفة الغربية "والدان، زوجان، أبناء، أخْوَة" ومنقطعين عن بعضهما انقطاع شبه تام (باستثناء مكالمات هاتفية وسكايب) منذ سنوات وإسرائيل تمنع توحيده الشمل، وتمنع حتى تبادل الزيارات بينهما. "ألا يوجد حصار على غزة"؟ "هل انتهى احتلال غزة"؟ هذه العائلات مُفَرّقة بسبب الحصار والاحتلال، كأن هذه العائلات لا وجود لهما.