19.75°القدس
19.54°رام الله
18.86°الخليل
24.65°غزة
19.75° القدس
رام الله19.54°
الخليل18.86°
غزة24.65°
الإثنين 07 أكتوبر 2024
5جنيه إسترليني
5.38دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.19يورو
3.81دولار أمريكي
جنيه إسترليني5
دينار أردني5.38
جنيه مصري0.08
يورو4.19
دولار أمريكي3.81

حارسات انتفاضة القدس

جبريل عودة
جبريل عودة
جبريل عودة

كثيرة هي النماذج النسائية كان لها الأثر الكبير في ثورة الشعب الفلسطيني, ضد الاحتلال الصهيوني, المرأة الفلسطينية زيتونة العطاء وأيقونة الحياة, إلى جانب كونها الأم المربية, التي تحتضن أسرتها بكل دفء وحنان, تزرع تلك الأم في صغارها معاني حب الوطن والانتماء لترابه الطاهر, وتغرس في نفوس أطفالها أبجديات التضحية والجود بالأرواح والأموال في سبيل كرامة الأوطان والمقدسات, فلا غرابة أن تجد أم الشهيد, تتقدم صفوف حاملي فلذة كبدها شهيداً مدرجاً بدمائه الزكية, تقف كالسنديانة شامخة وسط الدار, تطلب من المعزيات عدم البكاء, بل تريد أن تسمع منهن زغاريد الفرح, فلقد أصبح في بيتها شهيد, يشفع لها ولأهل بيتها, ويسجل بمداد من دماء وأشلاء, حضوره وعائلته في سجلات المدافعين عن أطهر قضية على وجهة هذه الأرض.

صور مشرقة للمرأة الفلسطينية المجاهدة, قديما وحديثاً وعلى مدار تاريخ شعبنا الفلسطيني, تتواتر السير العطرة للماجدات الفلسطينيات, لكل زمن رموزه وأسمائه يجمعهن حب الوطن, وتحريضهن على قتال الأعداء, لا يهزهن وجع الفراق, يقفن بكل كبرياء في وداع شهدائهن, وتتحجر عيونهن ولا تنسكب الدموع, خشيةً من أن يراهن العدو, فيفرح لقهرهن ولدموعهن, فمنهن أمهات الشهداء وما أعظم أجرهن على الله عز وجل , بالصبر عند الصدمة الأولى , فتخرج متوشحة بكرم العطايا الإلهية فتظهر آيات الصبر والاحتساب في مواقف قد ينهار منها الرجال, وتفتخر بصمودها وصبرها في مواجهة المصائب, وأي مصيبة أعظم من موت وفراق الأحبة, ولكنها لا تنهزم أبداً, وتعتبر نفسها في مواجهة مباشرة ما قاتل شهيدها, وترى أن صبرها وإن كان تنفيذًا لما تؤمن به من واجب التسليم لقضاء الله وقدره, إلا أنها أيضا ترى في ذلك جزءًا من المواجهة مع العدو الصهيوني, وتعمل على إغاظته بإظهار فرحها بحصول ابنها على لقب شهيد, فالقتل لا يقهرنا, والاستشهاد بوابة العبور نحو المعالي في الدنيا والآخرة.

ومنهن أمهات الأسرى البواسل, تنادي أمه عليه في محكمة الاحتلال وأمام الجلاد وهو يحكم على الأسير بالمؤبدات, اصمد يا بني، شدة وتزول, عمره السجن ما قهر الرجال, الفرج قريب بإذن الله, فيستمد الأسير صموده, من هذا العنفوان الثوري المتدفق من صوت أمه كحليبها الذي ارتوى عليه صغيراً مستمداً الشجاعة والإقدام .

تميزت الأم الفلسطينية بأنها تقدم أبناءها إلى ميادين القتال, رغم حبها الشديد لهم وتعلقها بهم وخوفها عليهم , لكن شعارهن في ذلك أن دين الله أغلى من الأبناء, وأن الأقصى يحتاج منا أن نفديه بدمائنا, رأينا ذلك على سبيل الحصر مع أم الشهيد محمود العابد من مخيم الشاطئ بمدينة غزة, وهي تودع ابنها محمود أثناء توجه لتنفيذ عملية استشهادية, وكذا خنساء فلسطين أم نضال فرحات رحمها الله, وقفت تودع صغيرها الشهيد محمد, وتوصيه وهو ينطلق إلى حيث المواجهة المباشرة مع جنود الاحتلال ومستوطنيه في إحدى المستوطنات جنوب قطاع غزة, والحاجة أم رضوان الشيخ خليل رحمها الله, خنساء فلسطين التي ودعت أربعة من أبنائها شهداء, وتميزت باحتضانها المقاتلين في بيتها بمخيم رفح, بل كانت تسهر على راحتهم, وتوفر لهم الطعام والشراب في أشد مراحل المواجهة مع الاحتلال شراسة.

تتجدد تلك الإشراقات مع كل انتفاضة أو مواجهة مع الاحتلال الصهيوني, ولعلنا نعيش يوميات انتفاضة القدس المباركة, وما تحمله من لوحات عزة وبطولة وتحدٍّ وإصرار, تكشف عن المعدن الأصيل للمرأة الفلسطينية, سواء كانت زوجة أم أختا, وكأنه العقد المنظوم الذي لا ينقطع على مدار الزمان, بعد أن أضحت ثقافة تتوارثها الأجيال, وتتجلى صورها النضالية في مواجهة هذا الاحتلال إلى أن يزول, ومن تلك الصور والدة الشهيد محمد شماسنة من بلدة قطنة قضاء القدس المحتلة, تحمل رشاشا وتطلق الرصاص في الهواء, لذا تلقيها خبر استشهاد نجلها, وتودعه بكلمات صادقة من قلب أم مكلومة, وتطالب بمد المقاومة بالسلاح تقول "مابدي أقول وامعتصماه, ولكن أقول بدنا سلاح لنقاوم", وتؤكد على افتخارها بشهيدها, وتتعهد باستكمال دوره في النضال, حتى إنجاز التحرير والتخلص من الاحتلال, والدة الشهيد محمد الفقيه من مدينة دورا جنوب الخليل, عندما جاء نبأ استشهاده قامت بالصلاة شكراً لله أن محمدًا استشهد مقبلاً غير مدبر, وهناك من الأمهات من شاركن في جنازات أبنائهن في إشارة إلى افتخارهن واعتزازهن بشهدائهن وتضحياتهم.

يحاول الاحتلال قمع الانتفاضة من خلال ضرب الحلقة الأقوى متمثلة بالحاضنة الشعبية للانتفاضة والتي تمدها بوقود الاستمرار, فيستخدم سياسة هدم بيوت الاستشهاديين, كعقاب جماعي يستهدف أسرة الشهيد, وهذا الأمر من قبيل العقاب الجماعي المرفوض وفقاً لكافة القوانين والشرائع, ويعمل الاحتلال على احتجاز جثامين الشهداء, كأحد أسلحته لقمع الانتفاضة الباسلة, وتسعى مخابرات الاحتلال إلى شن حملة اعتقالات تستهدف أفرادًا من عائلة الاستشهادي, كما حدث من ابنة الشهيد مصباح أبو صبيح من بلدة سلواد بالقدس المحتلة, بسبب افتخارها بجهاد أبيها الشهيد, وشن الاحتلال كذلك حملة اعتقالات واسعة في صفوف الشباب الذي قاموا بتوزيع الحلوى وإظهار الفرحة بالفعل الاستشهادي للشهيد أبو صبيح, وهي إجراءات عدوانية فشلت في مواجهة المسار الثوري الذي يتبناه الشباب الفلسطيني في مواجهة المحتل الصهيوني.

ويأتي اعتقال والدة الاستشهادي مهند الحلبي في سياق الحملة الصهيونية المسعورة ضد الحاضنة الشعبية للانتفاضة, تلك السيدة كانت تسكن عرينها بهدوء وسكينة, حتى خرج شبلها المنتقم مهند, فأضحت نموذجاً ماثلاً أمامنا, حتى أيقنا جميعاً كيف يولد ويربى الشهداء, لتصبح المقولة في فلسطين وراء كل استشهادي بطل أمٌ عظيمة, فكانت الصابرة المحتسبة, مضت في جنازة شهيدها مهند بخطوات المعتزة بفعل وليدها, لم ترهبها جرافات الاحتلال وهي تهدم بيتها ليلاً , فقالت وهي شامخة من فوق ركام بيتها: "أخذوا قطعة من روحي وزغردت ومعيطتش، بدي أعيط ع بيت", وواصلت ولم تنقطع عن ميادين الانتفاضة, تجدها إلى جانب كل أم شهيد يرتقي برصاص العدو، تواسيها وتشد من أزرها، في تعاضد بين عوائل الأبطال فرسان الانتفاضة، يقوم الاحتلال باعتقالها في محاولة بائسة لكتم أنفاس المقاومة في حياة أم مهند، ولكن هيهات فأمهات الشهداء عنفوان لا ينتهي، فمن روحهن يولد العزم ويتجدد الانتماء, وحُق أن يطلق عليهن حارسات انتفاضة القدس.