إذا اجتمعت الإعاقة مع الإرادة، كانت الإرادة بعزيمتها وإصرارها أقوى من أي إعاقة أو جرح أو فقدان أي طرف في الجسد الذي " إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى".
الجريح محمود جمال الغفري (35عامًا)، من سكان مدينة غزة، لم تمنعه أقدامه المبتورة بإصابته من الاحتلال، من أن يمارس العمل في مهنة "الطوبار" التي هي من أصعب المهن الشاقة في قطاع غزة.
كاميرا "فلسطين الآن"، رصدت الجريح الغفري، وهو يمارس عمله في بناء إحدى "الفلل"، على شاطئ بحر شمال غزة، بشكل طبيعي دون تأفف محبط وبإصرار عجيب.
ويروي الجريح "أبو جمال"، تفاصيل القصف الذي تعرض له في فبراير 2008م، في محرقة إسرائيلية هي من أبشع الجرائم التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، والتي راح ضحيتها 116 شهيدًا كانت الغالبية منهم من الأطفال والمدنيين.
ويضيف الغفري، "كان عدوانًا همجيًا وقاسيًا وبشعًا لا يميز بين طفل وكبير ومدني ومقاوم فالجميع في الهدف سواء".
ويعود الجريح الغفري، بإصرار عجيب بعد سنوات من العلاج والمعاناة لمهنته مهنة "الطوبار"، والذي لم يتردد في العودة إليها ولم يفكّر بأقدامه ولا بجراحه فهو العائد إليها شغفًا وباشتياق.
ويقول: "الطوبار بالنسبة لي هو الصحة والنشاط والبركة والرزق الحلال.. صحيح أنه فيه التعب والمشقة ولكن أشعر خلاله بمتعة لا أتذوقها في أي عمل آخر".
لم يقبل "أبو جمال"، لمراسلنا بالتقاط مزيد من الصور الفوتوغرافية فهو في العادة يكره أن يرى نفسه في العمل بدون أقدام عندما يقارن وضعه الصحي مع ما يعانيه اليوم وما قبل الإصابة.
رفض الحديث والتصوير عبر "الفيديو"، معتبرًا أن (العين حق)، فلا يحب أن يراه الناس معلقًا في السقف يمارس مهنته أو صعوده للأعمدة أو توجيهه للعمال فهو "المعلّم الكبير".
الشاب مروان البحطيطي، هو أحد العمّال اللذين شهدوا لأبي جمال بالكفاءة والمهنية العالية، مشيرًا إلى همته العالية في العمل والإنجاز والتفاني والإتقان.
ويصف الشاب البحطيطي، الجريح الغفري أثناء عمله وممارسة مهنته بصفات الأصحاء الأقوياء قائلًا: "أبو جمال هو المعلّم الكبير هو من يوجهنا ويرشدنا بحكم خبرته وكفاءته ومنه نستمد الهمة والنشاط".
ويختم حديثه: "أنا وباقي العمّال أحيانًا نشعر بالخجل أمامه فهو يستطيع أن يفعل ما لا نستطيع أن نفعله نحن".