لأكثر من ستين عامًا يرتاد المصلون مسجد الفاروق، أحد أقدم ثلاثة مساجد في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، تربّى بين جنباته كثيرٌ من أبناء المدينة قبل أن تكثر أحياؤها، وعاش في رحابه العديد من شهدائها، حتى غدا معلمًا مهمًا من معالم المدينة.
لم يكن وقع تلك الليلة عاديًا على مدينة رفح خصوصًا حي الشابورة وسط المدينة حيث يقع المسجد، عندما قصف الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه الأخير صيف عام 2014 مسجد الفاروق، فبكى أهالي الحي مسجدهم وتأثروا كثيرًا بفقدانه، إلا أن ذلك لم يثن عزيمتهم في وجه الاحتلال.
إرادة الأهالي
لم يستسلم أهالي حي الشابورة للحالة التي فرضها الاحتلال عليهم بآله حربه وبطشه، حيث شتت شمل حوالي ثلاثة آلاف مصلٍ كانوا يلتقون خمس مرات في اليوم، فأزالوا في البداية بعض ركام المسجد ليقيموا الصلاة في ذات المكان بين الهدم والركام.
لم يمضِ وقت طويلٌ حتى شكّل الأهالي لجنة لإعادة إعمار المسجد، بدأت ببناء مسجد بديل مؤقت من الصفيح "الزينقو" في مكان قريب من مكان المسجد الأصلي، واتخذت قرارًا ببدء إزالة الركام وإعادة إعماره أفضل مما كان في ظل الحصار وشح الامكانيات.
وخلال حديث عضو لجنة إعمار مسجد الفاروق سلمي المشوخي لـ"فلسطين الآن"، أوضح أن اللجنة توجهت إلى جميع الجهات الرسمية والمعنية من أجل تمويل مشروع إعادة بناء المسجد دون جدوى، سوى وعودات سينتظر الأهالي عشرات السنوات لتحقيقها، ليعتبر الأهالي ذلك تحديًا جديدًا في بناء المسجد بجهدهم وأموالهم وعطائهم.
وأشار المشوخي إلى أن اللجنة عمدت إلى تنظيم حملات تبرع لصالح المسجد في ظل عدم وجود مساعد، وقال مفتخرًا بأهل الحي: "الأهالي يعشقون مسجدهم ولذلك لم يتوانوا للحظة في التبرع من أموالهم وما يملكونه من مصاغات ذهبية، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها القطاع جراء الحصار".
وبين أنه بدأ جمع الأموال من خلال تنظيم حملة تبرعات في مسجد الفاروق المؤقت خلال شهر رمضان الماضي، موضحًا أنه تم جمع قبل قرابة 130000 دولار من الأهالي، وهو المبلغ بدأنا به إعادة الإعمار، لتنظم حملة أخرى عيد الأضحى المبارك، منوهًا إلى "أن مواطنين ذوي سعة في المال تبرعوا بمبالغ كبيرة، الأمر الذي دفعنا لمواصلة الإعمار".
وتابع بقوله: "مضينا وانطلقنا من أهمية المشروع واتخذنا نصب أعيينا أنه من أفضل القربات إلى الله بناء مسجد للمسلمين للصلاة وحفظ القرآن الكريم، خاصة في منطقة بحاجة ماسة لبيوت الله".
بدءٌ وإنجاز
ولفت المشوخي إلى أنه تم إنجاز الأعمال الخرسانية للبدروم ويجري الآن التحضير لصبة سقف الطابق الأرضي، بتكلفة قرابة ربع مليون دولار وهو المبلغ الذي تم جمعه من الأهالي والمتبرعين، منوها إلى أن المسجد مصمم ليكون بدروم وطابق أرضي وسدة وطابق أول وقبة ومأذنة.
وأوضح أن المسجد يتسع لقرابة 1300 مصل، يتم بنائه على مساحة 1360 متر مربع، بتكلفة تقديرية إجمالية لكامل البناء 1.350.000 دولار، ويخدم سكان المخيم بالدرجة الأولى وسكان المخيمات المجاورة.
ومن جانبه أشار مؤذن المسجد عمر الحمايدة، الذي طالما صدح بصوته بمكبرات الصوت من أجل ترغيب الناس في التبرع لإنشاء المسجد، إلى "أن الهدف من المشروع إنشاء مسجد كبير يتسع لاستيعاب مئات المصلين، وبناء جيل مسلم قوي وسليم روحًا وفكرًا وعقلًا".
ونوّه إلى الاهتمام بشئون المرأة المسلمة وتفعيل دورها الإصلاحي والإرشادي في المجتمع، قائلا: "كان للنساء نصيب جيد من التبرعات، حين أقدمن على وهب حليهن لصالح بناء المسجد، وكذلك الأطفال الذين تبرعوا بحصالاتهم ومصروفهم اليومي".
وأكد الحمايدة على حاجة مخيم الشابورة والمخيمات المجاورة والتي يسكنها قرابة 63.700 نسمة لبناء المسجد، لافتًا إلى أن حي الشابورة من أقدم الأحياء الموجودة في مدينة رفح، وهو حي سكني بالدرجة الأولى، يسكنه اللاجئون منذ تهجيرهم في عام 1948م حيث كانت ولا زالت أبنيته المتواضعة والمتلاصقة تحف أرجاءه.
وبعد صبة الطابق الأول في المسجد، كتب المواطن سامي سنجر عبر موقعه على فيسبوك: "سيكتب التاريخ أن أهل الفاروق وعماره بشيوخهم و رجالهم ونساءهم وأطفالهم قد جادوا بأغلي ما يملكون لإعادة إعمار مسجدهم، ولم ينتظروا منة من أحد ولا زيارة من مسئول ولا جهة إعمار وإنما قاموا بأنفسهم بإعماره وهذا بفضل الله ومنته وكرمه".
