عاد صندوق النقد الدولي في الفترة الأخيرة إلى لعب دور كبير في العالم العربي، لا سيما بعد موافقته نهاية الأسبوع الماضي على إقراض مصر 12 مليار دولار، وهو ما يثير مخاوف من ردود فعل عنيفة تجاه الحكومات العربية التي تنفذ إجراءات اقتصادية مؤلمة في مقابل أموال الصندوق.
ومنذ أواخر الثمانينيات وحتى انتفاضات الربيع العربي عام 2011، كان الصندوق يوصم في العالم العربي بأنه ذراع الغرب التي تضغط على الدول لتبني سياسات تقشفية تفقر شعوبها، بينما يفيد منها المصرفيون الأجانب.
وبعد أن وقعت أعمال شغب في الجزائر والأردن والسودان بسبب إجراءات خفض الإنفاق التي تمت بإيعاز من صندوق النقد، تجنبت حكومات عديدة التعاون مع الصندوق، وشبّه أحد الوزراء في مصر هذا الصندوق بالاستعماريين البريطانيين الذين استولوا على قناة السويس.
عودة الصندوق
لكن الصندوق عاد من جديد ليقدم في الأشهر الأخيرة مليارات الدولارات لمصر والعراق والأردن والمغرب وتونس، كما يقدم المشورة بشأن التحول الاقتصادي للجزائر، ولدول الخليج التي يحثها على فرض ضريبة القيمة المضافة، وحاول الصندوق هذه المرة عرض نفسه بصورة جديدة أكثر مرونة.
وقد تكون هذه العودة خبرا سارا للمستثمرين الذين ينتظرون شهادة ثقة من الصندوق حتى يستثمروا في هذه الدول، لكنها في الوقت نفسه تعرض الصندوق والحكومات الشريكة لغضب الشعوب إذا فشلا في حل المشكلات الاقتصادية المتجذرة.
يقول محسن خان الذي ترأس إدارة الشرق الأوسط في الصندوق في الفترة بين 2004 و2008 إن العودة إلى المنطقة مسألة شائكة، لأنه في حين يملك الصندوق المعرفة بشأن سبل إصلاح المالية العامة والعجز الخارجي، فإنه -شأنه شأن الاقتصاديين بشكل عام- أقل معرفة بسبل تقليل عدم المساواة وخلق الملايين من فرص العمل.
لكن مسعود أحمد الذي تسلم إدارة الشرق الأوسط من خان منذ عام 2008 وحتى اليوم يقول إن الصندوق تعلم الدرس. ويوضح أحمد أن الصندوق كان في الماضي يركز على أرقام الاقتصاد الكلي فقط، لكنه الآن ينظر إلى جوانب أخرى يمكن أن تؤثر على الصورة الكلية للاقتصاد، مثل الفقر.
وبعد الربيع العربي، أطلق أحمد حملة علاقات عامة لتحسين صورة الصندوق في المنطقة، حيث دشن مدونة بالعربية لشرح سياسات الصندوق وعقد لقاءات مع السياسيين والصحفيين.
المستقبل المجهول
لكن هذا لا يزيل الخطر الذي يواجهه الصندوق، وستكون السنوات المقبلة اختبارا حقيقيا؛ فالقرض الذي حصلت عليه مصر لأجل ثلاث سنوات، الذي قامت لأجله بتعويم الجنيه ورفع أسعار الوقود، قد يكون مجرد البداية لأعباء طويلة الأجل، وقد يتم تجديده عند انتهاء أجله كما يتوقع العديد من الاقتصاديين، وستحتاج سوريا واليمن إلى مساعدة حين تنتهي الصراعات هناك.
فضلا عن ذلك، فإن الصندوق سيصير بين شقي الرحى، إذ إن الحكومات في كل من الدول المستوردة والمصدرة للنفط على السواء تقوم بخفض الدعم والإعانات الاجتماعية، ومن المتوقع أن ترتفع أسعار الوقود مجددا، وأن تفرض ضرائب جديدة في العديد من الدول.
وتقول الزميلة الأولى بمركز الحوكمة الدولية والابتكار في كندا بسمة المومني التي تؤلف كتابا عن الصندوق إن هذه المعطيات تشير إلى أن الصندوق لن يستطيع تجنب القيام بدور سياسي في هذه الدول، وهو ما يعرضه إلى رد فعل عنيف.