يتفاجأ المرء حقيقة ، عندما يرى ازدحام الأسواق والمحلات بالشراء ، بحثا عن مشتريات لرمضان، حتى بات الكثير يتحدث عن ميزانية خاصة لهذا الشهر الفضيل ، الكريم ، وكأن رمضان الذي يعلمنا الصبر وإحساسنا بالفقراء ، أصبح شهرا للإسراف والبذخ ومن يرى الناس يقبلون على الباعة يظن أننا مقبلون على شهر مجاعة لا خير ونعمة. بل إنك تجد بعض البيوت وكأنها تحولت لـ"خلية نحل " استعدادا لإعداد طعام رمضان ، وما يزين سفرة الإفطار من "حلويات وكعك وكيك وغيرها من المحليات" ، التي أصبحت الشغل الشاغل لكثير من الناس، منشغلين بذلك عن الهدف الأسمى من شهر القرآن وهو " لعلكم تتقون ". جيد أن يدخل الإنسان السرور على أسرته ، وأن يطعمهم أطيب الطعام ، لكن ليس المطلوب أن يكون رمضان سببا في شكوى الكثير ، وليس المطلوب أن تتزين سفرة الإفطار بما لذ وطاب من المأكولات والمشروبات التي تدخل في دائرة الإسراف والبذخ التي حرمها الإسلام. أعجبتي تلك المرأة المسلمة التي أجابت عن سؤال النصرانية :لماذا يأمرك ربك بالصوم في هذا الصيف الساخن : قالت : حتى نشعر بالفقراء فكانت سببا في إسلامها وهدايتها ، أين نحن من هذه المرأة المسلمة. لقد غابت عنا حكمة الحارث بن كلدة عندما قال : المعدة هي بيت الداء ، والحمية رأس الدواء ، ونسينا قول عمر بن الخطاب ( اخشوشنوا واخشوشبوا واخلولقوا وتمعددوا ـ التمعدد ـ أي العيش الخشن الذي تعرفه العرب ـ كأنكم معد وإياكم والتنعم وزي العجم). بل إن النبي صلى الله عليه وسلم ندب إلى التقلل من الأكل كما في حديث المقدام قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما ملأ آدمي وعاءً شراً من بطنه ، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه ، فإن كان لابد محالة ، فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلثه لنفسه ". هذا في كل وقت ، فما بالك في وقت رمضان فلو "استعمل الناس هذه الكلمات لسلموا من الأمراض والأسقام ولتعطلت المارشايات، ودكاكين الصيادلة". ويقول عمر رضي الله عنه : إياكم والبطنة في الطعام والشراب ، فإنها مفسدة للجسد ، مورثة للسقم ، مكسلة عن الصلاة ، وعليكم بالقصد فيهما ، فإنه أصلح للجسد ، وأبعد عن السرف ، وإن الله تعالى ليبغض الحبر السمين ، وإن الرجل لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه ". وقلة الطعام توجب رقة القلب وقوة الفهم ، وانكسار النفس ، وضعف الهوى والغضب . وكثرة الطعام يوجب ضد ذلك ، يقول عمرو بن قيس : إياكم والبطنة فإنها تقسي القلب وعن سلمة بن سعيد قال : إن كان الرجل ليعير بالبطنة كما يعير بالذنب يعمله . وعن مالك بن دينار قال : ما ينبغي للمؤمن أن يكون بطنه أكبر همه ، وأن تكون شهوته هي الغالبة عليه . وقال سفيان الثوري : إن أردت أن يصح جسمك ، ويقل نومك ، فأقلل من الأكل . فيا ليتنا نستعد لرمضان ، كما نستعد لموائد الإفطار ، رمضان فرصة للتغير ، لمن تعود على حياة المترفين ، ونشأ على حب الدعة واللين ، فرصة لتربية النفس على المجاهدة والخشونة في أمر الحياة ، فربما تسلب النعمة ، و تحل النقمة . فالدنيا غدارة غرارة مناحة مناعة ، وإقبال الدنيا كإلمامة ضيف ، أو غمامة صيف ، أو زيارة طيف ، وعن عروة بن رويم قال : قال صلى الله عليه وسلم :" شرار أمتي الذين ولدوا في النعيم وغذوا به همتهم ألوان الطعام وألوان الثياب يتشدقون في الكلام" . فليكن هذا الشهر المبارك بداية للتقلل من الطعام والاستمرار على ذلك على الدوام .
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.