خلال أيام قليلة كشفت وسائل الإعلام المحلية عن أخطاء طبية قاتلة تعرض لها عدد من المرضى في عدد من المستشفيات الخاصة والحكومية بالضفة الغربية، أبرزهم على الإطلاق ما جرى مع الطفل أمير زيدان (7 سنوات) الذي أصيب بتلف دماغي، بعد خضوعه لعملية استئصال اللوزتين.
قضايا حركت الرأي العام والشارع الفلسطيني، ودفعت باتجاه تشكيل وزارة الصحة ونقابة الأطباء للجان تحقيق للوقوف على حقيقة ما جرى، كما أطلق ناشطون حملة تحت شعار "مش مردود"، التي لم تكتف بالحراك الافتراضي على شبكات التوتصل الاجتماعي، بل نظمت وقفات غاضبة ضد الأخطاء الطبية في مواقع مختلفة من الضفة الغربية.
وأمام هذه الحالة، حرّك البعض دعوى في النيابة العامة ضد مستشفى "مسلّم" التخصصي الخاص في رام الله، حيث أجرى الطفل زيدان العملية قبل خمسة أشهر، وبالفعل أصدرت النيابة قرارها بتوقيف مدير المستشفى وطبيبين آخرين على ذمة القضية.
لا يوجد تقصير!!
وفي وقت كانت فيه إدارة مستشفى "مسلّم" ترفض طيلة الفترة الماضية التعاطي مع الإعلام، وجدت نفسها بعد اعتقال مديرها مضطرة لعقد مؤتمر صحفي لتوضيح وجهة نظرها.
وادعت المستشفى أنها تحترم ما تقره الجهات الرسمية الصحية والقانونية في التعويض المادي والمعنوي للطفل زيدان وذويه، إذا ما ثبت حصول خطأ طبي في قضيته، مشيرة إلى أنها شكلت لجنة تحقيق خلال 24 ساعة بعد إجراء العملية على ضوء النتائج الأولية واتخاذ الإجراءات بإيقاف الطاقم الطبي المشارك بعملية الطفل.
كما ادعت أنها أطلعت وزارة الصحة على جميع المجريات في المستشفى لضمان قانونية التحقيق وتقييم الإجراءات والأجهزة الطبية داخل غرفة العمليات للتأكد من سلامتها، وبعدها حولت أمير إلى مستشفى المقاصد في القدس ومن ثم إلى مستشفى "هداسا" لضمان أفضل علاج له.
وأضافت إدارة المستشفى أنها اجتمعت مع والد الطفل وذويه فور ورود معلومات عن حالته، وتم إعطاؤهم المعلومات الكاملة عن وضعه الصحي، وأكدت لهم في حينها أنها ستبذل كل جهد ممكن لمساعدته الطفل، وتعهدت بأن لا تتهرب من مسؤوليتها القانونية والأخلاقية وذلك قبل دخوله المستشفى.
مشكلة وليس خطأ!!
لم ينته الأمر، فعضو مجلس إدارة المستشفى أشرف مسلم، استهجن تصريح وزارة الصحة بوجود تقرير خطأ طبي صدر قبل 3 أشهر ويتعلق بقضية الطفل أمير، دون أن تسلمه للمستشفى.
وأكد مسلم وجود مشكلة طبية في قضية الطفل زيدان، لكنه اعتبر أن ذلك لا يعني وجود خطأ طبي. قائلاً "لا اختلاف على وجود مشكلة طبية، وهي تختلف عن الخطأ الطبي التي حصلت مع الطفل امير زيدان وهذا يحدث في كل دول العالم".
وأضاف: لكن ينبغي عدم التعامل مع هذه المشاكل بهذا الأسلوب، ويجب أولا تشكيل لجنة داخلية هدفها التقليل من المشاكل المستقبلية، مطالباً الوزارة بالقيام بدورها في التقليل من هذه الأخطاء، من خلال تحسين المؤسسات الصحية وليس عن طريق الجلد وتحميل المسؤولية، وفق قوله.
إصرار غريب
الناطق باسم وزارة الصحة أسامة النجار، قال "إن الطفل أمير أدخل الى مستشفى "مسلم" التخصصي، في مدينة رام الله، قبل 5 أشهر، لإجراء عملية اللوزتين، إلا أن خللا في جهاز التخدير، تسبب في اصابته بشلل دماغي، وفي التحقيق الذي أجرته وزارة الصحة كشف الأطباء أنهم تيقنوا للخلل، واطلعوا مدير المستشفى على الخلل، إلا أنه طلب منهم اجراء العملية".
وأضاف، "تسبب الخلل بموت 85% من خلايا الدماغ للطفل، فيما لم يتعاط المستشفى مع الخطأ بشكل صحيح، أو مع ذويه، أو حتى للتعقيب على الموضوع الذي شكل قضية رأي عام"، مشيراً إلى أن الوزارة تدخلت قبل تلقي البلاغ من ذوي الطفل المريض، وتوجهت لجنة مختصة لفحص الوضع، ورفعت توصياتها بإغلاق غرفة العمليات فيها، لحين تصويب أوضاعها.
كما أصدر وزير الصحة جواد عواد أمرا بالإغلاق، وفقا للمادة "55" من قانون الصحة العامة، رقم 20 لسنة 2004، الذي يجيز له اغلاق مؤسسة طبية أو جزء منها، حتى التأكد من خلال ارسال لجنة بتصحيح الأوضاع فيها، وبعدها تم إعادة فتحها.
المسن رمضان
ليست قصة أمير الوحيدة، فالمسن عمر يوسف رمضان "57 عاماً"، من بلدة "تل " غربي نابلس، فقد بصره منذ أربع سنوات نتيجة خطأ طبي، وقبل أسبوعين فقط، خسر قدمه بعدما قام أطباء في مستشفى النجاح الجامعي ببترها، دون علم ذويه.
يقول نجله يوسف لـ"فلسطين الآن" إن "والده شعر يوم 12-10-2016 بآلام في رجله، وتوجه لقسم الطوارئ في مستشفى النجاح (الذي يرأس مجلس إدارته رئيس الحكومة رامي الحمد الله)، وكشف عليه طبيب عظام وطلب منه أن يتوجه للعيادات عند طبيب الأوعية الدموية "......"، ولكن الأخير كان في غرفة العمليات ويحتاج لساعتين حتى يأتي ليرى أبي.. فنقلناه فورا إلى المستشفى الوطني الحكومي، الذي رفض استقباله، لانه في حالة إضراب (اضراب الأطباء الأخير)، فتوجهنا به لمستشفى رفيديا، وهناك تم تشخيص وضعه على أنه "ديسك"، وهذا سبب الآلام في رجله والبرودة التي فيها.. وتم إعطاؤه دواء للديسك وتناول منه أربع حبات فقط".
يتابع "بدأ أبي يستفرغ من الدواء، ثم رجع في اليوم ذاته إلى المستشفى وتم إعطاؤه إبرى مسكن، ولكن دون جدوى,, وبقينا 3 أيام على هذه الحال.. وفي اليوم الرابع توجهنا به لطبيب خاص، الذي شخص الوضع بأنه "جلطة" وكتب تحويله مستعجلة للوطني ولكن المستشفى رفض إدخاله لانه ما زال في حالة إضراب، فنقلناه لمستشفى رفيديا وقلنا لهم إن "الطبيب يقول إن رجله فيها تسكير شرايين وليس ديسك.. فتأكدوا من ذلك وحولوه لمستشفى الجامعة".
بتر دون صورة
وهنا كانت الكارثة، فبعد دخوله مستشفى الجامعة حولوه لقسم الجراحة لعمل صورة طبقية مستعجلة من أجل إدخاله لغرفة العمليات.. وهذا كله في اليوم الرابع.. وبعد صراخ المريض ليوم كامل وسؤالنا المستمر عن الصورة والعملية تبين أن جهاز التصوير لا يعمل ويريدون تحويله لمكان آخر ورفضوا ان نخرجه نحن لانهم قالوا لنا نحن نتولى الأمور، وانتهى ذلك اليوم وهو يصرخ من الألم".
في اليوم التالي (الرابع من الأزمة)، يقول يوسف "ونحن ننتظر تحويلة لعمل صورة، جاء الطبيب المختص وعندما رأى أن قدم والدي قد وصلت لمرحلة الخطر، أدخلوه للعمليات بدون صورة طبقية، وقرروا بتر قدمه لانه قد تأخر تشخيصه ثلاثة أيام في رفيديا وأكثر من 24 ساعة في مستشفى الجامعة دون أي اهتمام.. واستمر النزيف واضطروا لاعطائه وحدات دم ليتوقف النزيف وأيضا المميعات، ثم تقرر بتر رجله من فوق الركبة".
ويختم نجله يوسف ناقلا على لسان الطبيب الجراح قوله "بدل ما تتشاطروا علينا عشان تأخرنا يوم.. روحوا تشاطروا على رفيديا أخروه ثلاثة أيام".
ليست ضدهم
الناطق باسم الحملة الشعبية للمحاسبة على الأخطاء الطبية غسان النمروطي أكد أن الموضوع عاد ليطفو على السطح من خلال ما تناقلته وسائل الإعلام عن وجود حالات لأخطاء طبية كثيرة في فلسطين، مشيرا إلى الردود والتعليقات السلبية التي تلقتها الحملة من الأطباء، حيث ادعوا بأن هذه الحملة تسعى إلى زعزعة الثقة بالنظام الصحي الفلسطيني، وإلى تشويه صورة الأطباء أمام الجميع.
وأكد لـ"فلسطين الآن" أن الحملة الشعبية تسعى إلى تأصيل الجدل الدائر حول موضوع الأخطاء الطبية, وذلك من خلال تحقيق مجموعة من الاهداف التي ستخدم كل من الأطباء والمواطنين ايضا، "ومن الأهداف الاستراتيجية إيجاد نظام للمسائلة عن الأخطاء الطبية، وهو بالتالي سيحسم الجدل الدائر حولها لأن الحلقة المفقودة والناقصة في هذا الملف هو عدم وجود قانون للمسائلة على تلك الأخطاء.
كما تسعى الحملة المنبثقة من مجموعة شبابية، لخلق آلية للتعامل مع الشكاوى الواردة من المواطنين، ودعوة وزارة الصحة إلى التعامل معها بالجدية والسرعة المطلوبة.
جريمة وعقاب
أما بخصوص القواعد القانونية الحاكمة للأخطاء الطبية في فلسطين، يوضح المحامي سمير دويكات من نابلس، أن هناك قانون العقوبات والقواعد العامة التي يمكن المحاسبة عليها إذا ما توفرت اركان جريمة الخطأ الطبي، وقد أقر القضاء في مصر وفرنسا أن الخطا الطبي اليسير في التخصصات الطبية يشكل جريمة يعاقب عليها القانون وهو خطا مفترض أذا ما كانت العملية محل الخطا بسيطة وترتب عليها عمل فظيع نتج عنه موت المريض إذا لم يرافقه سبب أخر، وبالتالي يوجب التعويض وتحسب كما قضايا التأمين الأخرى، وفي فلسطين وفق قانون المخالفات المدنية ومجلة الأحكام وقانون التامين وفيها الغنى الكثير من النصوص القانونية المعالجة للموضوع.
ويؤكد دويكات ضرورة متابعة جهات الاختصاص الموضوع لحماية أرواح الناس، وأن يتلقى أعضاء الجهاز القضائي والضابطة العدلية تدريبا وتوعية مناسبة وكافية في هذا الملف لاهميته، "إذ ليس عيبا أن يرتكب الناس الخطا ولكن العيب أن لا يتم متابعته بجدية وعدالة، فكل المستشفيات والأطباء لديهم تأمينات ضد الأخطاء، وهو ليس محل تشويه لسمعة طبيب أو غيره، ولكن الهدف هو حماية الطبيب أو الشخص الناجح كذلك، لأن ثقة الناس تقل وربما تنعدم مع مرور الوقت.
وختم بقوله إن "التشريعات القانونية متوفرة للمحاسبة، ولكن تحتاج إلى إرادة قادرة على فرض القانون ومحاسبة المخطىء، ليكون عبرة ويكون هناك انصاف للضحايا نتيجة هذه الأخطاء".
الخطأ الطبي والإهمال
من جهتها، أوضحت مدير وحدة الشؤون القانونية في وزارة الصحة أروى التميمي، في حال أثبت التحقيق في أي قضية أو شكوى إهمالا وتقصيرا يتم طرد الطبيب، لأما الخطـأ الطبي فنتعامل معه على أساس أنه خطأ بشري، إلا إذا كان فيه مساس بالبروتوكولات الطبية المعروفة.
وأضافت التميمي، أن النائب العام يحول ملف القضية التي فيها شبهة طبية لوحدة الشؤون القانونية في الوزارة التي تتعامل بالتوازي مع وحدة الشكاوى، وتقترح تشكيل لجنة من أطباء متخصصين في المجال ذاته، ويرفع التقرير المفصل إلى النائب العام، مشيرة إلى آن الوزارة تشكل ايضا لجان تحقيق في الشكاوى المقدمة بشبهة الخطأ الطبي.
وأوضحت آنه في حال أدانة الطبيب فإنه يفصل من الخدمة المدنية، كما يتم إقرار الإجراءات الإدارية إذا ثبت الاهمال أو التقصير، فإذا خرج التقرير بأن الطبيب لم يتبع الاجراءات الطبيعية، وأخل بالأمانة الطبية، وشرف المهنة، فيترتب عليه فصله من الخدمة وفقا للقانون، الذي ينص على انه إذا ارتكب الموظف أي جريمة، أو جنحة، تمس بالأمانة، والشرف، فإنه يفصل من الخدمة.