على أحر من الجمر، تجلس عائلة البروفيسور الأسير عصام راشد الأشقر (٥٨ عاما)، بانتظار أية معلومات عن وضعه الصحي، كونه يعاني من عدة أمراض شديدة الخطورة.
ومنذ اعتقاله الخميس 24-11، وزوجته -التي تعمل مُدرسة- وأبناؤه الخمسة وطلبته، يتابعون بقلق كبير حالته التي تتدهور باستمرار، ويخشون من انتكاسة قد تصيبه.
وقد ذهبت مطالبات الأسرة بالإفراج عنه أدراج الرياح، بعد إصدار الاحتلال الخميس 1-12 قرارا بتحويله للاعتقال الإداري، رغم امتلاكه للتقارير الطبية الموثقة التي تقدم شرحت مفصلا عن وضعه الصحي.
زوجته السيدة وفاء -أم مجاهد- عبرت عن صدمتها من تحويله للإداري، لا سيما أن المحامي كان قد طمأنها بعدم وجود أي قضية أو تهمة موجهة له، لذا كان لديهم أمل كبير أن يتم إطلاق سراحه، حتى يعاود الخضوع للعلاج.
وكانت أم مجاهد قد رأته عن بعد خلال تواجده في المحكمة الأحد الماضي، وقد بدا هزيلا ولا يقوى على الوقوف.. تقول "يعاني أبو مجاهد من ارتفاع كبير بضغط الدم، إضافة لتضيق في شريان الكلية اليمنى، ما قد يسبب له -لا قدر الله- مضاعفات أهمها الإصابة بجلطات دماغية، كما يؤثر على نظره، ويهدده بالإصابة بفشل كلوي".
تتابع "وضعه الصحي غير مطمأن، فهو بحاجة لعناية ومراقبة دائمة، ووجوده في أماكن مغلقة يعرضه للإصابة بحالات إغماء وينعكس سلبيا عليه".
أمراض خطيرة
وفي التفاصيل، يعاني د. الأشقر من ارتفاع شديد في ضغط الدم وقراءاته تتعدى الـ 250/150 وهذا ناتج عن سببين، أولاهما بسبب مرض essential hypertension وهو ارتفاع ضغط الدم بدون سبب واضح، وثانيهما تضيق في شريان الكلية اليمنى بطول 12 سم، التي نتج من السبب الأول.
واجتماع العاملين يزيد من احتمالية مضاعفات ارتفاع ضغط الدم، وهذا يؤدي إلى مضاعفات تؤثر على القلب وتؤدي إلى فشل قلبي، أو أمراض في الشرايين التاجية، وتؤثر على الدماغ عن طريق جلطات دماغية، وعلى شبكية العين والنظر، وعلى الكليتين وتؤدي إلى فشل كلوي.
هذه الحالات تحدث عندما يتعرض المريض لدرجة توتر عالية، أو عندما يكون في مكان مضغوط وبدون تهوية جيدة أو عدم تناول الدواء بشكل منتظم.. وهذا ما حصل مع د. الأشقر خلال فترة التحقيق واعتقالاته الماضية.. فكان يُحول إلى مستشفى "بيلنسون".
وسبق أن تم الكشف عن حالته من استشاري في امراض الضغط والكلى، وقرر الاحتلال إجراء عملية جراحية يتم فيها تبديل شريان الكلية اليمنى المتضيق بشريان اخر للتخفيف من ضغط دمه العالي، لكنه رفض العملية لعدة أسباب أولها تقييد اليدين والقدمين خلال إجراء العملية، ونقله مباشره إلى السجن بعد انتهاء العملية، وحتى لا يكون حقل تجارب.
في المرة الرابعة (قبل الاخيرة لاعتقاله) صدر قرار افراج عنه بعد 3 أيام فقط بسبب ضغط دمه العالي. ورفضت كل السجون استقباله لأنهم اعتبروا حالته الصحية قنبلة موقوتة، ويمكن أن يدخل في حالة hypertensive urgency والمضاعفات الخطيرة التي تتبعها، قد تؤثر على حياته بالكامل.
ليلة سوداء
وتصف زوجته أم مجاهد ليلة اعتقاله، موضحة أن قوات معززة من جيش الاحتلال وبرفقة طاقم إسعاف إسرائيلي اقتحموا منزلهم في حي إسكان المعاجين بنابلس، وحققوا مع د. عصام لوقت قصير قبل إبلاغه أنه معتقل. كما صادروا مركبته الخاصة.
تقول "فوجئت أن أحد الأطباء الإسرائيليين سأله عن الأدوية الخمسة التي يتناولها.. وهذا يؤكد أنهم يعرفون تمام المعرفة بخطورة حالته.. فلديهم سجل طبي له من اعتقالاته السابقة".
اعتقالات
وهذه المرة الخامسة التي يعتقل به د. الأشقر، فقد كانت أول مرة عام ١٩٩٧، وأعيد اعتقاله عام ٢٠٠٦ ثم ٢٠٠٨، كما اعتقل عام ٢٠١٣ لمدة ثلاثة أيام وأفرج عنه بعد تدهور وضعه الصحي، أمضاها في مشفى سجن الرملة ومشفى "بنلسون" الإسرائيلي.
وفي الاعتقال الأخير، أخبر الأطباء المحكمة الإسرائيلية أن د. الأشقر "قنبلة موقوتة بالأمراض"، ما يعرضه للخطر بأي لحظة، فيما رفضت إدارات السجون استقباله وتحمل مسؤوليته.
موقف النجاح
واستغربت أم مجاهد حالة الصمت التي تبديها جامعة النجاح التي يعمل بها زوجها إزاء اعتقاله، وعن ذلك تقول "لقد خدم الجامعة لسنوات طويلة، ورفع اسمها عاليا في المحافل العربية والدولية، لكنها الآن تتنكر له.. لم نسمع لها صوت، ولا لطلبته الذين لم يبخل عليهم يوما.. ولا أعلم لماذا؟؟ ألا يوجد للجامعة محام يترافع عنه.. أو على الأقل أن تصدر بيانا أو تنظم وقفة مساندة له وتخاطب جامعات العالم لحشد التأييد اللازم لمساندته.. والضغط على الاحتلال لإطلاق سراحه".
حاصد الشهادات
والأسير عصام الأشقر من مواليد قرية صيدا قضاء طولكرم عام 1958، متزوج ولديه من الأبناء 5 أولاد وبنت (مجاهد، حذيفة، أنس، راشد، عمر، وولاء).
حصل على البكالوريوس في الفيزياء من جامعة "اليرموك" في الأردن عام 1980، ثم حصل على منحة لدراسة الماجستير في التخصص ذاته من الجامعة الأردنية عام 1982، إذ عمل مساعدا للتدريس، ومن ثم عمل محاضرا في جامعة النجاح بنابلس من الأعوام 1982-1984.
ثم حصل بعدها على منحة لدراسة الدكتوراه في ولاية "أوهايو" الأمريكية عام 1984، حتى نالها عام 1990، ثم نال رتبة بروفيسور في الفيزياء على أبحاثه ودراساته التي بلغت 126 بحثاً علمياً محكماً منشوراً في المجلات العلمية المتخصصة العالمية والمحلية.
كما حصل على جائزة اتحاد الجامعات العربية عام 1999 لإسهامه في مجال الفيزياء، ويعمل الدكتور في مجالات متعددة، أهمها: فيزياء المواد، وتأثير الموجات الكهرومغناطيسية والصوتية على جسم الإنسان.
عاشق العلم
أبدع الأشقر في التدريس والبحث العلمي، كما أشرف على عدة رسائل ماجستير وشارك في العديد من المؤتمرات مقدما فيها الأوراق والمداخلات العلمية ممثلا جامعته ووطنه أفضل تمثيل. وقد تخرج على يديه ثلة من أساتذة العلوم والفيزياء الذين ينشرون الفائدة لمجتمعهم كمدرسين في التربية والتعليم ومحاضرين في الجامعات الفلسطينية المختلفة.
وعن شخصية زوجها الأسير؛ تقول أم مجاهد "عرفت الدكتور عصام محباً للعلم شغوفاً به حريصاً عليه مثابراً لأجله، يعتبره السبيل الوحيد لشباب فلسطين نحو التقدم والرفعة، فكان لا يضيع وقتاً ولا جهداً للكشف والبحث، وكان جدياً في حياته، ففي أغلب الأوقات لا يفرح ولا يضحك إلاّ عندما يكتشف اكتشافاً علمياً أو يُحرِز نتائج متقدمة في بحوثه، أو عندما يعرف شاباً شغوفاً بالعلم حريصاً على دينه محباً له وساعياً لإنقاذ البشرية مما هي فيه من أهوال".
وكان د. عصام يشجع الطلاب على عدم الاكتفاء بشهادة البكالوريوس؛ وإنما يدفعهم إلى العمل من أجل الماجستير والدكتوراه وعدم التوقف عن البحث.
وكان الطلاب متعلقون به في جامعة النجاح، وأيضاً أثناء رحلة العلم في بلاد الغرب، إذ كانوا يتصلون به عندما يواجهون المصاعب، وكان لهم الأب والأخ والأستاذ والمعلم، يحثهم على عدم اليأس وزيادة الثقة بالله سبحانه، وفق ما تشرح زوجته.
وتتابع أم مجاهد حديثها "يريد الاحتلال أن يكسر إرادة هذا العالِم ويحطم معنوياته، وما عرفوا أنهم بهذه المحنة قد أعطوه منحة للتفوق مرة أخرى، التفوق الروحاني والإيماني، بالتفقه وتلاوة كتاب الله وتفسيره والتفكر به والتهجد من ناحية، والتفوق العلمي بتقليب الكتب بكثرة والنهل من بساتين العلم والمعرفة من ناحية أخرى، فبعض الذين خرجوا من السجن محرّرين وكانوا قد عاشوا مع الدكتور في اعتقالاته السابقة قالوا: إنه ما من كتاب إلا وكان قد مرّ بين يديه يتصفحه، وكان بعد صلاة الفجر يجلس يقرأ ويقرأ ثم يقرأ"، فقد ظنّ السجان أنه حبس عقله وما درى أنه يحلق في أجواء الروحانية والعلم.