كلنا نعرف أن يوم الجمعة لدى الأردنيين هو اليوم الذي تجتمع فيه العائلة بكافة أركانها وأمزجتها حول ( المقلوبة أو المسخن أو المنسف ) ..فهو يوم الأكل( الزفري ) بامتياز ..وقد يكون عيداً حقيقيّاً للقطط أيضاً فهي تعيش حالة ( زفريّة ) تجعلها تنتظر يوم الجمعة بمواء كامل النشوة ..! ولكنني على الجهة المقابلة ..أعي تماماً أن كثيرين ما زالوا ينتظرون من يحنّ عليهم في هذا اليوم ..من يقول لهم : هذا غداؤكم الزفري ..هذه مقلوبتكم أو مسخنكم أو منسفكم ..بشرط أن تكون كل هذه الأكلات لم تمسها إلا يد من طبخها .. وليست بقيّة باقية من فضلات الآخرين ما بعد مرحلة ( شبع الشبع ) ..! يريدون أن يطبخوا بأنفسهم ما يشتهون ..وليس ما يُفرض عليهم من مزاجات الآخرين أيضاً ..! يقتلني كل ( أب ) حينما يحلف لي يوم خميس ليلاً ..أنه لم يتدبر أمر غداء الجمعة ..بل باللهجة العاميّة يقول لك : بدّي أغدّي الأولاد بكرا ..! ملعون أبو بكرا الذي تعجز عائلة من أربعة أو خمسة أنفار على تدبير ( حالة زفريّة ) من دجاجتين فقط ..! صحيح إنني من جيل الحرمان ..ومن الجيل الذي كان يعاني حتى يأكل بأريحيّة ..ولكن مع كل هذا التطور ..لم يعد زفر الجمعة إلاّ طقساً من طقوس العائلات ..وليس حاجة زفرية لحرمان اسبوع بأكمله ..! لأننا كل يوم نصطدم بالزفر؛ مع أنّ الزفر ما عاد له هيبة الزفر القديم ..سقطت رهبته و قدسيته ..ولم يعد بتلك الهالة الكبيرة إلا لدى فقراء يعيشون بيننا و ما زالوا يقولون لك بالفم الملآن يوم الخميس ليلاً : بدّي أغدّي الأولاد بكرا ..!