منظومة كرة القدم المحلية بالضفة المحتلة اتجهت إلى تطبيق نظام الاحتراف منذ سبع سنوات، لمواكبة التطور الحاصل باللعبة الشعبية الأولى على مختلف المستويات المحلية، والعربية، والقارية.
وأصبح الاحتراف أساسًا في كرة القدم، للفرق الراغبة في تمثيل بلادها في المحافل العربية والآسيوية والدولية، إذ تستثني الاتحادات القارية أندية الهواة من المشاركة في بطولاتها، وتطلب رزمة شروط يتوجب توفرها في الأندية لإفساح المجال أمامها للعب والمشاركة.
وبين هذا وذاك، يبرز المال العصب الأساسي للاستمرار والتطور في عالم الاحتراف، الذي حول كرة القدم من لعبة هدفها التسلية والتنافس الشريف إلى عمل ووظيفة تعود على منظومة الكرة، المتمثلة باللاعبين والمدربين والأندية والاتحادات والشركات الراعية وغيرها بعائد مادي مجزي واستفادة مرضية.
منظومة المال
المدرب الوطني والمحلل الرياضي فايز نصار، أكد أن منظومة المال في كرة القدم المحلية قائمة على عدة أمور، أبرزها التمويل "السبونسوري" الذي يجلبه اتحاد كرة القدم من الشركات الراعية للبطولة كـ"جوال"، و"الوطنية موبايل"، و"بنك فلسطين"، إضافة إلى مكافأة الفوز بالبطولات، والرعاية الخاصة للأندية من بعض المؤسسات الوطنية، كمصانع "الجنيدي" و"الجبريني" للألبان بالنسبة لشباب الخليل، و"المصنوعات الورقية" لأهلي الخليل وغيرها.
وأضاف نصار في حديثه لـ"فلسطين الآن"، أن تبرعات رجال الأعمال، وقسط الأندية من شباك التذاكر واشتراكات الأعضاء، والمساعدات من مؤسسات داعمة للشعب الفلسطيني، وبعض المشاريع الصغيرة الملحقة بالنادي تشكل جزءا مهما في دعم موازنات الأندية المحترفة بفلسطين.
وأفاد أنه بالرغم من هذه الأموال، إلا أنها لا تكفي لسد احتياجات الأندية خلال الموسم الرياضي، لذا تلجأ الفرق إلى أساليب أخرى لجلب المزيد من السيولة المالية وتغطية جوانب العجز، فتبرز حملات إعلامية هدفها جمع أكبر كم من التبرعات من الجماهير العاشقة، وتلجأ الأندية للاقتراض من أعضاء الهيئة الإدارية، ورجال الأعمال، والمؤسسات المصرفية، وتقيم بعض المشاريع الصغيرة.
منظومة عشوائية
من جانبه، يرى الإداري السابق بنادي هلال القدس والرياضي المعروف ناصر السلايمة، أن المنظومة المالية بدوري المحترفين الفلسطيني ليست ثابتة، لأنها تعتمد بشكل عام على العشوائية في الإدارة والقيادة، مؤكداً أن ما يأتي من الاتحاد مدخول تافه قياسًا بالمصروفات، ولذا فإن الاحتراف في طريقه للفشل الذريع.
وقال السلايمة في حديثه لـ"فلسطين الآن"، إن ما تجنيه الأندية من الأموال في الموسم الواحد بالكاد يسد مصاريف نصف شهر فقط -تبلغ تكلفة الشهر الواحد بالمحترفين ما يزيد عن 350 ألف شيكل-، نظرًا لحجم الإنفاق، والتعاقدات المبالغة فيها على صعيد المدربين واللاعبين وجوانب لوجستية أخرى متعلقة بتهيئة الفريق نفسيًا واجتماعيًا، ومهنيًا.
وشدد على أن أغلب الفرق تعتمد في تمويلها الأساسي على إسناد رئاسة الأندية إلى رجال أعمال ينشطون في مجالات التجارة، والصناعة، والمقاولات والإنشاءات وغيرها، مبيناً أن هؤلاء يفاجئون خلال الموسم الرياضي بالمعدل المجنون للصرف، فيعمل لموسم أو أقل ثم يتنحى جانبًا، أو يهرب بجلده.
ولفت الرياضي المعروف إلى أن أعضاء الهيئة الإدارية ببعض الأندية يلزمون بدفع مبلغ معين، لتغطية نفقات الفريق، وعادة يتم الهرب والتملص من هذه الالتزامات مع مرور زمن الموسم الرياضي، بسبب الكم الهائل من الالتزامات والاستحقاقات المالية، دون أي عائد مادي يذكر، أو فائدة ترجى لهم.
الخاسر الأكبر
من ناحيته، طالب عدد من لاعبي دوري المحترفين، اتحاد كرة القدم بالوقوف عند مسؤوليته والنظر في الشكاوى، التي تصل تباعًا إليه منهم ومن المدربين، الذين يعتبرون الخاسر الأكبر من الممارسات القذرة لإدارات أغلب الأندية، التي تتخلف عن دفع آلاف الشواكل المترتبة عليها كديون للاعبيها.
وذكر اللاعبون -الذين فضلوا عدم ذكر أسمائهم-، في حديث لـ"فلسطين الآن" أن اتحاد كرة القدم يغض الطرف عن الشكاوى خوفًا من سقوط مسمى الاحتراف، لذا فهو لم يشكل لجان أو سلطات لمراقبة الميزانيات، والتحقق من إيفاء الفرق بالتزاماتها المادية طوال فترة الاحتراف حتى اللحظة الحالية.
وتحدث اللاعبون -الذين أمضى الواحد منهم قرابة خمسة مواسم بدوري المحترفين- بحسرة بالغة، كون أن كرة القدم هي مصدر الدخل الأساسي لهم، منوهين إلى أن النصب والاحتيال السمة الأبرز للأندية، وهذا ما يفسره التغيير المستمر في إدارات الفرق، وكادر اللاعبين، والمدربين في كل موسم.
أسباب المعاناة
وفسر المدرب فايز نصار، أسباب معاناة أندية المحترفين بالضفة في النواحي المادية، وأرجعها إلى: "عدم وجود خطة مالية تقوم على ميزانية مستقرة واضحة المداخيل والمصاريف، وعدم متابعة الجهات المختصة ميزانيات الأندية".
واستغرب نصار في حديثه لـ"فلسطين الآن" من إنفاق أندية صغيرة بالضفة مبلغ يربو على ثلاثة ملايين شيكل، دون أن يعرف مصادر هذه الأموال، لتبدأ تلك الأندية بالمعاناة مع صعودها لدوري المحترفين في السنة التي تليها.
بدوره، عزا عضو هيئة إدارية سابق في نادي شباب الخليل محمد نيروخ، المعضلة المالية إلى افتقار الأندية بالضفة إلى خطط مالية واضحة، قبل بداية الموسم الرياضي، لذا تستقطب الفرق لاعبين بمبالغ مالية كبيرة لا تستطيع خزينة الفرق تحملها.
وأوضح نيروخ في حديثه لـ"فلسطين الآن"، أن اعتكاف اللاعبين والمدربين عن تدريبات ومباريات فرقهم بعد مرور شهر أو اثنين من الموسم باتت السمة الأبرز في دوري المحترفين، والسبب يكمن في تأخر الأندية وعجزها عن صرف مستحقاتهم الشهرية، لافتا إلى أن ظاهرة اللامبالة منتشرة بفرق المحترفين، وهي تعود لأن بعض اللاعبين يستلمون نسب عالية من عقودهم قبل التوقيع، وبذلك يفقدون الرغبة باللعب والروح القتالية على أرض الملعب.
لذا نرى أن أندية دوري المحترفين على الدوام، ترفض الإفصاح عن قيمة العقود المبرمة مع اللاعبين والمدربين، إضافة إلى التكتم الكبير على حجم الديون، ليصل الحال بفرق تنافس على البطولات وتبرم عقود ضخمة، وتمثل عربيا وقاريا بموازنات خاوية وفارغة، وتتخذ من التسويف والبكاء على الأطلال وتبرعات المحسنين طوقا للنجاة المرحلية، مطمئنة في ذلك إلى أن أحدا من المسؤولين باتحاد كرة القدم لن يتابع عملها، أو يوقع عقوبات رادعة عليها.
الصورة الملحقة بالتقرير توضيحية فقط