سقف معلق بجسور حديدية، وأعمدة قائمة بتجميع الركام المدمر، وجدران فارغة امتلأت بحجارتها التي كسرتها الصواريخ، يشد كل ذلك أعمدة خشبية وإسمنتية ليتماسك وينأى عن السقوط، في مشهد حول منزلًا مدمرًا وركامًا متناثرًا إلى لوحة فنية جميلة ومزارٍ يقصده المواطنون والصحافيون وغيرهم.
وحولت فنانة هولندية ركام أحد المنازل المدمرة خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة صيف 2014، إلى لوحة فنية بإعادة ترتيب ركامه والأجزاء المتكسرة منه بصورة منتظمة في الأجزاء الفارغة فيه، وتكوين أعمدة جديدة تتوسطه.
ويعود المنزل الواقع شرقي محافظة خان يونس جنوب قطاع غزة إلى المواطن أبو أحمد شعت، الذي فقد الأمل بإعادة إعماره بعد مرور نحو عامين على تدميره خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع.
لوحة فنية
وخلال لقاء "فلسطين الآن" مع الفنانة الهولندية "مريان أنطيليو" التي مكثت قرابة ثلاثة أشهر في إنجاز هذا العمل بمساعدة فريق من المهندسين والعمال المحليين، أشارت أنها قدمت إلى غزة للتعرف على المنازل المدمرة في القطاع كجزء من عملها كفنانة.
وقالت: "جئت من هولندا وأعمل فنانة ضمن فريق كبير منذ ثلاثة شهور لكي نتعرف على المنازل المدمرة في غزة وهذا عنوان عملي، أستخدم المباني لعمل منحوتات فنية، واليوم أجهز منحوتات في غزة"، منوهة أنها أول مرة تكون في مناطق مدمرة بعد الحرب.
وتابعت: "سبب وهدف لوجودي في غزة، البيوت التي تدمر من خلال قصفها بالقنابل، وما قمت بفعله أنني أخذت الأجزاء المكسورة من المنزل ووضعتها في مكان منظم ليوحي بالجمال ويعطي معنى".
وأضافت: "لست سياسية ولا أملك رسالة سياسية ولست صحفية ولكني فنانة، ولغة الفن ليست لغة الكلمات بل صناعة صورة، أريد أن أخبر فيها يا عن السلام والحرب الفوضى والنظام البناء والهدم".
وأكدت "أعتقد أن الناس في غزة بسطاء ولكنهم أقوياء، ومثال قوي على كيفية بناء عالمهم مرة أخرى".
وسخرت الفنانة كافة الإمكانيات للخروج بالعمل الفني دون وقوع أي كوارث، فاستخدمت قبل البدء بالعمل جسورًا حديدية كبيرة وباهضة الثمن لإحكام جدران وسقف المنزل وتدعيمه خوفًا من تعرضه لانهيار مفاجئ.
وتعتبر هذه اللوحة هي اللوحة الفنية السابعة لها على مستوى العالم والأولى على مستوى الوطن العربي.
الأول عربيًّا
وأوضح المساعد للفنانة الهولندية محمد أبو دقة أنه المساعد الوحيد للفنانة الذي تواجد معها يوما بيوم طوال ثلاثة أشهر من إنجاز العمل، وقال: "هذا فخر كبير لي أننا نعمل مثل هذا المشروع في فلسطين وفي غزة خاصة بعد حرب عام 2014".
وأوضح أبو دقة أن هذا البيت هو سابع بيت في العالم وأول بيت في الوطن العربي تنفذه الفنانة الهولندية، مبينًا أنه أعادت تصميم بيت في روسيا وبيت في أفريقيا وأربعة في هولندا والسابع في قطاع غزة.
ونوّه أن الفنانة الهولندية قدمت إلى القطاع قبل أن تبدأ هذا العمل بشهر واختارت هذا البيت المدمر في هذا المكان، مشيرًا أن كل فكرها وفنها تحويل هذا البيت من بيت ركام إلى لوحة فنية بهذا الجمال.
وتابع: "استخدمت كل الأشكال من الركام نفسه وعملت هذه التحفة، وأنا كنت المساعد الوحيد عندها يوميا، بمساعدة ودعم بعض الزملاء، والحمد لله أنجزنا هذا المشروع بنجاح".
وعبر عن فخره بقوله: "مكثنا ثلاثة شهور متواصلة ونحن نقوم بهذا العمل والحمد لله أنجزنا، وعملنا هذه اللوحة الفنية كرسالة للشعب الفلسطيني وأهل غزة أننا صامدون رغم الحصار والحرب وكل شيء، وعملنا بكل المجهود حتى نحقق هذا الهدف في فلسطين، وأنا فخور جدًا أننا أنجزنا هذا العمل في قطاع غزة".