أثار الركود العقاري الذي تشهده تونس منذ نحو عامين قلقاً متزايداً لدى العديد من المستثمرين العقاريين، الذين باتوا في مرمى المصارف التجارية التي بدأت بملاحقتهم من أجل سداد القروض الممنوحة لهم من أجل تنفيذ مشروعاتهم.
وولد ضغط المصارف على المستثمرين العقاريين، مخاوف كبيرة من خسارة مشاريعهم في حال العجز عن السداد في الآجال المحددة، وهو ما دعا غرفة الباعثين (المستثمرين) العقاريين للبحث عن حلول عاجلة لجدولة ديون المستثمرين، وحث القطاع المصرفي من ناحية أخرى على تعديل شروط القروض العقارية للأشخاص لزيادة مدة السداد إلى 25 عاماً، وذلك من أجل تحفيز التونسيين على شراء المساكن بقروض ميسرة.
ويعد المستثمرون العقاريون من أهم عملاء المصارف في تونس، لا سيما في ظل النشاط الذي شهده منذ عام 2011، قبل أن يشهد تباطؤا في المبيعات خلال العامين الأخيرين، خاصة في العقارات الفاخرة.
وقال محمد القمودي، الذي أقام في أحد الأحياء الراقية مجموعة من المشاريع السكنية الراقية، إنه يفاوض المصرف الذي موّل مشاريعه بشأن إعادة جدولة الديون، مشيرا إلى معاناة السوق من ركود كبير.
وأضاف القمودي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن نسبة المبيعات لا تتجاوز 20%، بينما تنتظر بقية الوحدات مشترين، لافتا إلى أن فوائد القروض المصرفية تبلغ نحو 7% سنويا وكلفتها في ارتفاع متواصل، وهو ما أدخله في دوامة الاستدانة.
وأشار إلى أن المصرف هدد بوضع يده على المشروع والتصرف فيه للحصول على مستحقاته، مؤكدا أن العديد من المستثمرين العقاريين، ولا سيما الجدد منهم وقعوا في فخ المصارف، وخسروا مشاريعهم بسبب انحسار سوق العقارات وتراجع المبيعات بشكل حاد.
ويطالب المستثمرون العقاريون بالتدخل الحكومي للضغط على المصارف لمراجعة شروط منح القروض العقارية للراغبين في تملك المساكن من أجل إنعاش القطاع العقاري، وضخ دماء جديدة في القطاع الذي يتخوف من أن يؤدي استمرار ركود المبيعات إلى انهيار الأسعار في الفترة القادمة.
وقال فهمي شعبان، رئيس غرفة الباعثين (المستثمرين) العقاريين، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن العاملين في القطاع يبحثون مع المصارف طرق تخفيف الضغط المسلط على أصحاب المشاريع، مؤكدا أن الحل يجب أن يكون شاملا في ظل وضع اقتصادي مترد.
وأضاف شعبان: "الأمر يتطلب إعطاء دفعة جديدة لقطاع العقارات عبر مراجعة شاملة للتشريعات وشروط تمويل السكن، فكل الحلول التي تم اتخاذها خلال السنوات الماضية كانت ترقيعية".
وتابع: "القطاع العقاري من أصلب وأكثر القطاعات الاقتصادية قدرة على خلق فرص العمل، وهو ما يتطلب الإسراع في إنقاذه قبل فوات الأوان".
وأعرب رئيس غرفة الباعثين العقاريين عن استغرابه من عدم امتلاك الحكومة لخطة استشرافية واضحة لقطاع السكن، مما جعل الباعث العقاري في معاناة يومية مع القوانين الجائرة والتعطيلات الإدارية، وفق قوله، داعيا إلى منح المستثمرين المحليين جزءاً من الامتيازات الاستثمارية التي يتمتع بها الأجانب.
وتطالب غرفة الباعثين العقاريين بمراجعة سياسة تمويل السكن، لا سيّما خفض نسبة الفائدة على القروض العقارية من جانب المصارف، وتخفيض نسبة التمويل الذاتي المطلوب من المصارف الذي يتحتم على مشتري العقار توفيره إلى 10% من قيمة العقار بالنسبة إلى القطاع الخاص بدلا من 20% حالياً، وتمديد مدة سداد القروض المباشرة إلى أن تكون السن القصوى للمقترض لا تتجاوز 70 سنة.
ويعد شرط توفير التمويل الذاتي أكبر العوائق أمام التونسيين عند الاقتراض من المصارف بغاية اقتناء مسكن، وهو ما قلّص الطلب في قطاع العقارات في الوقت الذي كثر فيه العرض. وبالرغم من الوعود الحكومية بالمساهمة بداية من العام المقبل 2017 في تمويل المسكن الأول للأسر المتوسطة ومحدودة الدخل، إلا أن جزءاً من التونسيين لا يثقون بالوعود الحكومية، نتيجة عجز الموازنة في البلاد، مما يجعل المساعدات والقرارات ذات الطابع الاجتماعي في أدنى الاهتمامات الحكومية.
ووعدت الحكومة مؤخرا بتمويل 20% من سعر المسكن بشروط ميسرة، منها منح مهلة خمس سنوات على أن يتم تسديد الجزء الممول من قبل الدولة على 7 سنوات، وبنسبة فائدة لا تتعدى 2%، شرط ألا تتجاوز قيمة المسكن 150 ألف دينار (65 ألف دولار).
ورصدت الحكومة لتمويل هذا البرنامج، ضمن قانون المالية (الموازنة) لسنة 2017، نحو 200 مليون دينار (86 مليون دولار) وهو رقم يعتبره خبراء عقاريون ضعيفاً بالنظر لحجم الفئة التي تندرج ضمن قائمة المعنيين بالمساعدة.
وسعت الحكومة خلال طرح برنامجها لدعم شراء المساكن، إلى أن يكون الدعم مقتصراً على شراء المساكن من الشركات العقارية، مبررة ذلك بأنه سيؤدي إلى خلق حركة في السوق، إلا أن البرلمان رفض هذا الشرط، مشيرا إلى ضرورة ترك الحرية للمنتفعين باختيار العقارات المناسبة لهم دون قيد أو شرط.
ومنذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي بدأت الحكومة في التخلي عن دورها في توفير مسكن لائق للطبقات المتوسطة والضعيفة، فيما كانت هذه الشرائح الاجتماعية ضحية سياسة النظام آنذاك، والذي أحال ملف السكن لهذه الطبقات إلى المصارف وشركات الاستثمار العقاري، بما في ذلك الشركات الحكومية التي دخلت في منافسة مع القطاع الخاص وهو ما غيب دورها في توفير مساكن بأسعار مناسبة وفق الكثير من التونسيين. -