قبل أن يكونوا أسرى، كانوا هم رجال المقاومة الذين حاربوا عدونا، وقبل أن يصيروا أسرى كانوا عشاق الكرامة والقتال، وكانوا القنابل والتفجيرات والرصاص الذي لعلع في كل مكان، إنهم الرجال الذين تطهمت أيديهم بدم الإسرائيليين، ولمع سنا قنابلهم في سماء فلسطين. إنهم الأسرى الفلسطينيون المضربون عن الطعام، الذين فرضوا علينا بإضرابهم أن نتعرف على شخصيتهم؛ كي نحدد هوية أصدقائهم، وكي نميط اللثام عن وجه أعدائهم، وأزعم أن القارئ العربي قد أدرك أن كل من اقتنع بالمقاومة المسلحة طريقاً لتحرير فلسطين هو حبيب الأسرى وصديقهم، وهو من يتوجع لوجعهم، بينما كل من نبذ المقاومة وكره المقاومين هو عدو للأسرى، وشامت بهم، وهو لا يحس بأوجاعهم. إنهم الأسرى الفلسطينيون بعد واحد وعشرين يوماً من الامتناع الكامل عن تناول أي لقمة خبزٍ، أو طعام، أو أي محلول مغذٍ، إنهم يصمدون على شربة ماء ولحس بعض حبات الملح، وهم يعرفون أن أجسادهم تذوب، وأن عظهم يتهاوى، وأن حواسهم قد يصيبها الوهن، وتموت، وقد يموتون، ولكنهم الأسرى الذي حاربوا عدونا بالسلاح، وأوقعوا فيه، وكانوا جاهزين للشهادة، هم أنفسهم الذين يحاربون عدونا بصمودهم، وجاهزون للشهادة في سبيل الله. إنهم الأسرى الفلسطينيون الذين أجابوا بإضرابهم عن الطعام على تساؤلات بعض الفلسطينيين والعرب الذين نسوا الأسباب التي من أجلها صار السجن الإسرائيلي مقاماً للرجال، ونسوا أننا تركناهم، وغرقنا في تعقيدات المشهد السياسي الفلسطيني، حتى صعب على بعضنا حل لغز الانقسام الفلسطيني، وارتج أصبع البعض خشية أن يشير على الحقيقة المرة التي تصفع قضيتنا في كل صباح، وتطرح علينا التساؤلات التالية: لماذا هم أسرى، بينما ندعي نحن الحرية؟ لماذا هم تحاصرهم الجدران، بينما لا يطبق على أنفاسنا قيد السجان؟ لماذا لم تغفل عنهم الأحقاد الصهيونية، بينما نتفاخر نحن بأننا عبرنا عن الحواجز الإسرائيلية؟ لماذا هم محرومون من رؤية الأهل والأحبة، بينما نحن نحتضن أهواءنا كل عشيّة! لماذا هم أسرى مختطفون في السجون الصهيونية، بينما بعضنا في طرقات المستوطنين يمشي واثق الهوية؟ لماذا مروان وعباس وعبد الله وأحمد وحسن في السجون ينزفون يومهم، ويعذبون، ويحرمون، بينما محمود ونبيل والطيب وفرج وسلام يسافرون، ويمرحون، ويمزحون، ويأكلون، ويشربون، ثم يخرجون على وسائل الإعلام يتفاخرون!؟ لماذا؟!
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.