عشرون ماكينة خياطة، إضافة لمكوى كبير يعمل على البخار، لم تعمل منذ أكثر من شهرين، في مشغل "النصر" للخياطة وكي الملابس في منطقة "كشيكة" بنابلس.
فقد حل صمتُ المقابرِ في المشغل، بعد أن كانَت ماكيناتُه لا تنطفئ، والخياطونَ والعمالُ يملؤونَه حركةً ونشاطا.
صاحُبه أبو النور يعملُ في هذه المهنة منذ أن كانَ يافعا، وقد استطاعَ أن يؤسسَ لمشغله الذي باتَ مصدرَ رزقٍ لنحوِ عشرينَ عائلة، لكنه الآنَ يندبُ حظه، إلى درجةِ أنه توجهَ إلى الداخلِ المحتلِ ليعملَ حتى يستطيعَ أن يسدَد ما عليه من التزاماتٍ من أجورٍ لعمالِه ولمديريةِ الضريبة، قبلَ أن يفكرَ كيف سيعيشُ وأسرتُه في ظلِ هكذا حالٍ يائس.
يقول لـ"فلسطين الآن" إن "أحياء سكنية مثل "خلة العامود" و"رأس العين" والبلدة القديمة بنابلس كانت تعج في السابق بمئات مشاغل الخياطة وحياكة الملابس، إلى الحد الذي كان البعض يضع الماكينات في غرف منزله، نظرا للمردود المادي الكبير لهذه المهنة".
ويضيف "كثيرون في مرحلة ماضية وتحديدا قبل انتفاضة عام 2000، تركوا وظائفهم الحكومية وعملوا في الخياطة، كما أن البعض مزق تصريحه الذي كان يوفر له فرصة الدخول لإسرائيل والعمل بها، بسبب الأرباح الكبيرة التي كان يجنيها من عمله في الخياطة".
لكن بعد ذلك، وبسبب الإغلاقات والحصار والاجتياحات الإسرائيلية للمدن الفلسطينية، اضطر القسم الأكبر من أصحاب المشاغل لتقليص عدد العاملين لديهم، في حين لم يجد آخرون سبيلا لوقف الخسائر سوى بإغلاق أبوابها.
وتكاد محال الخياطة حاليا في مدينة نابلس أن تكون معدودة وقليلة، بعدما كانت مزدهرة ومنتعشة، وكان سابقا يكاد يوجد شارع إلا وفيه مخيطة ومشغل للخياطة يزدحم فيه العمال والعاملات، الأمر الذي أضحى الآن قليلا، ما جعل كبار السن ممن يمارسون المهنة يعتقدون أنها في طريقها نحو الاضمحلال.
فقد تراجعَ عددُ مشاغلِ الخياطةِ في نابلس من نحوِ ألفٍ واربعِمائة مشغل، كانَت تستوعبُ زهاءَ خمسينَ ألفَ عامل، وتدرُ دخلاً مالياً وفيراً لهم، إلى عشراتٍ فقط من المشاغلِ الصغيرةِ والكبيرة، بها بضعُ مئاتٍ من الخياطينَ والعمال، الذين يعيشونَ ظروفاً اقتصاديةً صعبة.
الاستيراد والسلطة
ويحمل سليمان نجدية وهو صاحب مشغل للخياطة، المسؤوليةُ لإهمالِ السلطةِ والجهاتِ الرسميةِ للسوقِ المحليِّ والصناعاتِ الوطنية، بالإضافةِ إلى فتحِ بابِ الاستيرادِ من دونِ رقيب.
ويرى نجدية أن مشاغل الخياطة تعاني من تراجع وانحدار شديد، قائلا "كنا نستورد قماش ونفصل ملابس وخياطتها، ونبيعها لصالح الوكيل الإسرائيلي الذي يضع اسم الشركة الإسرائيلية على المنتج، مع أنه صنع بأيد فلسطينية".
ولفت إلى أن التجار المستوردين للملابس الجاهزة من الخارج أثروا بشكل سلبي في المنتج المحلي الذي كانوا ينتجونه، مما اضطرهم إلى التوقف عن صناعة الملابس، والتوجه إلى الخياطة حسب طلب السوق الإسرائيلي.
ويشير نجدية إلى أن غالبية العمال تركوا مهنة الخياطة وتوجهوا للعمل داخل أراضي فلسطين المحتلة 48، فالعامل هنا يأخذ شهريا حوالي 1500 شيقل فقط، وهذا المبلغ لا يكفيه، مما دفع بالمعظم لهجرها مرغمين.
المشاغل الكبيرة.. أيضا
ليسَت المشاغلُ الصغيرة، فمصنعُ العقادِ المكونُ من خمسِ طبقات شرقي نابلس، كان يضمُ في عهدِه الذهبيِّ مئاتُ العاملينَ في قصِ وتفصيلِ الملابس، الذين تراجعَ عددُهم بشكلٍ ملحوظ.
في إحدى قاعاته الكبيرة، يجتهدُ عمالٌ في إتمامِ خياطةِ نوعٍ من بنطالِ الجينز، وإلى جانبَهم صفٌ طويلٌ من الماكيناتِ المتوقفةِ عن العمل.
مسئول خطوط الإنتاج أبو سامر بليبلة يشير إلى انه يعمل في هذه المهنة منذ 40 عاما، لكنها لم تكن بالسوء الذي هي عليه اليوم. مضيفا "بقيت الأجرة ثابتة، فيما ثمن القماش ارتفع، والمعيشة ارتفعت أضعافا مضاعفة، ولم تعد الخياطة مهنة تستر صاحبها، لذا عزف عنها الكثيرون.
وأشار إلى أن محافظة نابلس مميزة في إنتاج ملابس الجينز والخياطة، وجودته العالية كانت تسمح بتسويقه عربيا وعالميا، كما أنه يأتي على أحدث خطوط الموضة التي يرغب فيها الجميع، لافتا إلى أن مصانع الخياطة قادرة على العودة للعمل من جديد، بعد توفر رؤية للأسواق التي يمكن أن تستوعب كميات الإنتاج، وهو ما يحتاج إلى متابعة من السلطة.
اجتماع تنسيقي
وكان رئيس غرفة تجارة وصناعة نابلس استقبل، مدير دائرة الضريبة المضافة مؤيد بسطامي، ورئيس نقابة اصحاب مشاغل الخياطة بسام عرفات وعضو النقابة عبد الوهاب الشنار.
وقد تركز الحديث في الاجتماع على جملة المشاكل التي يعاني منها قطاع الخياطة في نابلس وضرورة تضافر الجهود من قبل كل الاطراف لحلها، بما يضمن أسس العمل المشترك المبني على الثقة والتعاون.
وقد رحب هاشم بمدير الضريبة، شاكرا له جهوده المبذولة لحل المشاكل التي تعاني منها كافة القطاعات الاقتصادية وخاصة قطاع الخياطة، "الذي نسعى جميعا من أجل إحيائه والعمل على استمرار العمل في منشآته ومشاغله لكونه من أكبر القطاعات التشغيلية"، كما قال.
واستعرض عرفات قصص من التعاون القائم بين النقابة ودائرة ضريبة القيمة المضافة من أجل حل كافة المشاكل الضريبية العالقة.
كما تطرق في حديثه إلى المشاكل التي تنشأ مع جهاز الضابطة الجمركية، مطالبا الغرفة التجارية بالتدخل لحل هذه المشاكل لدى الدوائر الضريبية والضابطة الجمركية على وجه الخصوص.