قد يولد الإنسان مرتين، مرة ليدخل إلى هذا العالم، ومرة أخرى وهو يمشي على قدميه، وهذا ما حدث في مجمع فلسطين الطبي برام الله مع الطفل زين محمد أبو زلطة من إذنا إلى الغرب من مدينة الخليل.
عانى زين من مشاكل في الكلى عندما كان لا يتجاوز الستة أعوام، دفعت به إلى إجراء جلسات غسيل عندما انتصف عامه السابع، لتبدأ رحلة النكد والعذاب والألم.
سنة ونصف من "الشنططة"، هكذا وصفت الأم حال أسرتها بعد مرض زين، انتهت في مجمع فلسطين الطبي بتبرع الأم سائدة (30 عاما) بكليتها لابنها، لتقتسم معه الحياة والابتسامة والأمل.
يقول زين (9 أعوام): كنت أجري جلسات غسيل الكلى أيام السبت والاثنين والأربعاء من كل أسبوع، كنت أغادر بيتي بصحبة أهلي الساعة الثامنة صباحاً، أتوجه إلى مستشفى المطلع بالقدس، وأعود إلى فراشي في العتمة".
ويضيف: لم أكن أحب الاستحمام أو تغيير ملابسي، فقد كنت أتألم جداً بسبب الجهاز المثبت تحت كتفي، الذي رافقني منذ اليوم الأول لإجراء جلسات الغسيل. أما الآن فسأعود طبيعياً أستحم وألبس ما أشاء دون ألم.
الأم تهدي كليتها
تبرعت سائدة لابنها زين بكليتها في مجمع فلسطين الطبي، ويؤكد الأطباء أن حالة الأم وطفلها تحسنت بشكل ملحوظ وأن وظيفة الكلى عند زين عادت لوضعها الطبيعي.
تقول الأم: لمّا عرفنا بمرض زين وبعد استشارة الأطباء، قررنا إجراء عملية زراعة كلى، وأردت أن أكون أنا المتبرعة، وبعد إجراء فحوصات التطابق، تأكد للأطباء أنني أستطيع التبرع لابني.
وتضيف: دفنا معاناتنا في غرفة العمليات، حذفنا كل أوجاعنا وسهرنا وتعبنا. سيعود زين لمدرسته، ولحياته الطبيعية، أما أنا فهذا الشعور الذي يلفني لا أستطيع وصفه، أستطيع فقط أن أقول لكم: أنا "طايرة من الفرح".
الهروب إلى المدرسة
حرمت جلسات غسيل الكلى -التي كانت تجرى 3 أيام أسبوعيا- زين من مدرسته، فتولى الأهل مسؤولية تدريسه، علموه الأرقام والأحرف، وما تيسر لهم من المنهاج الابتدائي.
الهروب إلى المدرسة كان تصرفا اعتيادياً عند زين، هكذا قالت أمه، فقد كان يباغت أهله، وينطلق إلى صفه وزملائه، ضارباً بعرض الحائط خوف أهله وقلقهم، ومهملاً وضعه الصحي.
يقول زين: سأعود إلى مدرستي، لن تحرمني جلسات الغسيل من حصصي وزملائي، وسترافقني أمي في كل شيء، فهي الآن داخلي.
جيران زين في المستشفى
يرقد في الغرف المجاورة لغرفة زين 5 مرضى أجروا عمليات زراعة كلى، ربيع (21 عاما) وسامي 52 عاما، نائل (42 عاما)، وليد (28 عاماً). وكلهم بحالة صحية جيدة، ويؤكد الأطباء أن وظائف الكلى عادت لطبيعتها عند جميعهم.
ربيع عياش، طالب جامعي يدرس المحاسبة في الجامعة الأمريكية في جنين، عانى من مشاكل في الكلى منذ طفولته، لتصل معاناته ذروتها قبل 4 أشهر، عندما بدأ يداوم على جلسات غسيل الكلى.
يقول ربيع: تعطلت عن دراستي بسبب جلسات الغسيل، فأجلت فصلاً دراسياً في الجامعة، واليوم وبعد أن أجريت عملية الزراعة، أعود طبيعاً، وسأمارس حياتي كباقي البشر.
ويضيف ربيع: أهداني أبي كنزاً لا ثمن له، أهداني كليته، لا أستطيع تكوين جملة شكر له.
245 زراعة كلى
وأجرى مجمع فلسطين الطبي 6 عمليات زراعة كلى جديدة لمرضى من محافظات مختلفة بالضفة الغربية الأسبوع الماضي، لترتفع حصيلة هذا النوع من العمليات إلى 245 منذ عام 2010، وبنسب نجاح 97%.
يقول استشاري امراض وزراعة الكلى د. عبد الله الخطيب إن الطواقم الطبية في وزارة الصحة وبمساعدة طاقم طبي أردني أجرت عمليات زراعة الكلى، حيث تماثل نسب النجاح في هذه الجراحات الدول المتقدمة.
ويضيف: طريقة العمل والأدوية المستخدمة في هذه العمليات هي من أفضل ما هو موجود في العالم، حيث أوعز وزير الصحة د. جواد عواد بتوفير أفضل أنواع الأدوية لمرضى الكلى.
وعن تكلفة هذه العمليات، يقول د. الخطيب إن كل عملية زراعة كلى داخل أراضي الـ1948 مثلاً تكلف 300 ألف شيقل، في حين نجريها في مجمع فلسطين الطبي للمرضى مجاناً، إضافة إلى أن وزارة الصحة توفر الأدوية للمرضى الذين زرعوا الكلى مدى الحياة ومجاناً أيضاً.