الشاب المرحوم علي دغامين ابن السابعة عشرة عاما، هو آخر ضحايا لقمة العيش المغمسة بالذل، للعمال الفلسطينيين في الداخل المحتل.
فقد لقي الشاب -الذي يسكن بلدة السموع قضاء الخليل-، مصرعه الخميس الماضي، متأثرا بالجروح الحرجة التي أصيب بها في اليوم ذاته، جراء سقوطه عن "سقالة" بورشة للبناء في أراضي 1948.
بوفاته، ارتفع عدد العمال الفلسطينيين الذين لقوا حتفهم خلال عملهم في ورش العمل المختلفة في "إسرائيل" خلال عام 2016 إلى 25 عاملا، وأكثر من 250 مصابا، جميعهم من سكان الضفة الغربية.
لكن الأرقام مرعبة، فقد أشارت الإحصاءات إلى أنه قتل خلال السنوات العشر الأخيرة 325 عامل بناء، بينهم 180 عاملا خلال السنوات الست الأخيرة، وأن 51% من قتلى حوادث العمل في فرع البناء، خلال السنوات 2010 – 2015، هم فلسطينيون من الضفة الغربية. ونصف الـ 49% هم عمال بناء عرب من داخل الخط الأخضر ومن القدس المحتلة، وهناك عدد من القتلى من العمال الأجانب.
وأرجعت وزارة العمل الفلسطينية، أسباب وفاة عمال الضفة العربية في الورش الإسرائيلية إلى "غياب ظروف السلامة العامة".
وهو أيضا ما أكدته الإحصاءات، التي قالت إن "مراقبة ورشات البناء في "إسرائيل" ضعيف، إذ أن هناك 18 مفتشا في وزارة العمل والرفاه مسؤولين عن مراقبة حوالي 13 ألف ورشة بناء، وهؤلاء المفتشون مسؤولون عن سلامة وصحة وأمان العمال، ورغم حدوث ارتفاع هائل في حجم وعدد ورشات البناء، منذ العام 2000، إلا أن عدد المفتشين ما زال ضئيلا للغاية، بحيث أن كل واحد منهم مسؤول عن مراقبة ما لا يقل عن 700 ورشة بناء".
يقول رئيس اتحاد نقابات عمال فلسطين شاهر سعد إن "الأسوأ من ذلك هو قرارات المحاكم الإسرائيلية في هذا السياق، فهي قرارات ضعيفة، توحي للمقاولين بأن عدم الاستثمار في موضوع أمان العمال مجدٍ، إذ أن نسبة ضئيلة جدا من حالات الموت في حوادث عمل تصل إلى حد الإدانة بالتسبب بمقتل عامل جراء إهمال. وخلال السنوات الست الأخيرة أدانت المحاكم مقاولين في 8 حالات فقط من أصل مئات حوادث قُتل فيها 180 عاملا".
وأضاف في حديثه لـ"فلسطين الآن" أنه: "رغم عدم الاستثمار في موضوع الأمان في ورشات البناء وعدم ضبطه، فإن سلطات تطبيق القانون، مثل الشرطة، لا تجري تحقيقات في حوادث العمل. فمن أصل 180 حادث عمل انتهى بمقتل عامل، حققت الشرطة في نصف هذه الحالات فقط. والسبب هو أن القتلى هم عرب بغالبيتهم الساحقة".
ولفت إلى وجود "تمييز فاضح" في تطبيق تشريعات العمل على العمال الفلسطينيين العاملين في إسرائيل، بما في ذلك اتفاقيات العمل الإسرائيلية التي تشكل بمجموعها قانون للعمل الإسرائيلي.
وأوضح أن "تكرار حوادث العمل التي يتعرض لها العمال داخل سوق ومنشآت العمل الإسرائيلية، وخصوصا الفلسطينيين، يعود إلى غياب تطبيق شروط الصحة والسلامة المهنية على العمال الفلسطينيين في إسرائيل بما يخالف الاتفاقيات والتشريعات المعمول بها".
وأكد سعد أن الاتحاد ووزارة العمل وكافة المؤسسات ذات الصلة يقع على عاتقها مسئولية كبيرة، ومطلوب منها العمل والتنسيق مع الجهات ذات الصلة لتوفير الحماية للعمال الفلسطينيين في إسرائيل، وتحصيل حقوقهم وفق ما نصت عليه الاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال الإسرائيلي.
إجراءات السلامة.. ضعيفة جدا
من جانبه، أكد وكيل وزارة العمل ناصر القطامي عى ما ذهب إليه نقيب العمال، مشيرا إلى أن إجراءات السلامة والحماية المتعلقة بورش البناء في "إسرائيل" ضعيفة جدا، إذ يوجد هناك فقط 17 مراقبا على 13 ألف منشأة، ولم يستبعد أن هذا الإهمال مرجعه العنصرية تجاه العمال الفلسطينيين والعرب.
وأضاف، رغم أن القانون واحد في "إسرائيل" غير أننا نلاحظ أن هناك انتهاكات صارخة بحق عمالنا، إلا انه عندما يتعلق الأمر بالفلسطيني نلاحظ إجراءات صارمة بحق العمال الفلسطينيين، مطالبا المؤسسات الحقوقية الدولية التدخل لرفع الظلم الواقع على عمالنا.
وأشار قطامي إلى أن الانتهاكات التي تمارس بحق العمال الفلسطينيين "سياسة ممنهجة تتم في ورش العمل، وأثناء دخول العمال للمعابر، والابتزاز الذي يتعرضون له للحصول على أجورهم من المشغل الإسرائيلي".
وكان العام الماضي 2015، قد سجل وفاة 27 عاملًا فلسطينيًّا في ظروف مشابهة، أثناء عملهم بالداخل الفلسطيني.
قانون عنصري
وكانت القائمة العربية المشتركة في الكنيست الإسرائيلي، اعتبرت في وقت سابق أن الهدف من قانون جديد أقره الكنيست لتشديد العقوبات على مشغلي العمال الفلسطينيين، دون تصاريح يأتي لـ"تقوية قبضة الاحتلال الإسرائيلي".
ورأت القائمة أن "القانون الإسرائيلي الجديد خطير في مجمله، سيحرم آلاف العمال الفلسطينيين من تأمين لقمة العيش، في ظل الحصار وممارسات الاحتلال اليومية، وهو يناقض حقوقا إنسانية مثل الحق بالعمل، وحرية التنقل والحركة".
وكان الكنيست الإسرائيلي، أقر بالقراءتين الثانية والثالثة، قانونا جديدا يفرض عقوبات سجن وغرامات مالية باهظة، على مشغلي العمال الفلسطينيين.
وينص القانون على فرض عقوبات بالسجن تصل 4 سنوات، وغرامات مالية باهظة تصل 110 آلاف دولار، على من يشغل عمالاً فلسطينيين دون الحصول على تصاريح عمل.
وكانت الحكومة الإسرائيلية وعددًا من النواب من الإئتلاف الحكومي الإسرائيلي، قد بادروا بطرح مشروع القانون هذا.
وفي هذا السياق، قالت القائمة العربية المشتركة، "يضطر الفلسطيني لدخول إسرائيل والعمل فيها لتأمين لقمة العيش، والسبب هو الاحتلال الإسرائيلي، الذي نهب أرض وثروات شعب بأكمله ويفرض عليه حصارًا سياسيا واقتصاديا وجغرافيا."
وأضافت، أن" الحكومة اليمينية المتطرفة ماضية في سن القوانين العنصرية ضد الفلسطينيين بذريعة حالة الطوارئ، التي حولت حياة الفلسطيني إلى جحيم، (وهي) ليست قانوناً فحسب، بل واقعا معيشيا ناتجا عن نظام كولونيالي عنصري، سلب الفلسطيني أرضه ووطنه، وحرمه من العيش الطبيعي، ومن العمل ومن حرية الحركة والتنقل مثل بقية البشر". ونفذت الشرطة الإسرائيلية، في الأيام الأخيرة، حملات اعتقال واسعة في صفوف العمال الفلسطينيين داخل إسرائيل، دون الحصول على تصاريح عمل.
أجور متباينة
وتسمح السلطات الإسرائيلية لآلاف العمال بالدخول إلى "إسرائيل" بغرض العمل بموجب تصاريح خاصة، يصدرها الجيش الإسرائيلي ولكن ثمة آلاف العمال الذين يعملون دون تصاريح.
ويبلغ متوسط أجور العاملين الفلسطينيين الذين يمتلكون تصاريح عمل قانونية في الداخل، قرابة 186 شيكلًا يوميًّا (50 دولارًا)، مقارنة بـ 160 شيكلًا (40 دولارًا أمريكيًّا) للعمال الذين لا يحملون تصريح عمل.
ويعمل في "إسرائيل" نحو 90 ألف عامل فلسطيني؛ بينهم 50 ألف يحملون "تصاريح عمل"، 60% منهم يعملون في قطاع البناء والإنشاءات، و30 في المائة بالزراعة، إلى جانب 10 في المائة بقطاع الخدمات.
