تهز الأمّ طفلها وتحركه بقوة، لعلها تسمع صرخاته وصيحاته وصوت بكائه دليلًا على وجوده وحياته، أملًا أن يملأ البيت مرحًا بروح طفولته وفرحًا كلما يكبر يومًا بعد يوم، ولكن لسعات البرد القارصة كانت أقوى من أمل البقاء وأسبق في الموت من الحياة، لطفل لم تتجاوز أيامه شهرًا واحدًا.
في بيت لا تتوفر فيه أدنى مقومات الحياة الإنسانية، ويفتقر لأسباب العيش التي تحمي من برد الشتاء وحر الصيف، لم تتوقع والدة الطفل حمدي الهندي أن تجد طفلها الرضيع قد فارق الحياة بعد أن كانت تحتضنه وتلاعبه، بسبب برودة الجو ولسعات البرد وسوء العيش التي لم ترحم طفلها الصغير.
بعد وفاة طفلها، أصبحت العائلة أكثر تخوفًا على حياة طفلتها الأخرى التي لم تتجاوز العام والنصف، في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة واستمرار فصل الشتاء، متأملة في بيت يحفظ حياة أطفالها، كما عبّرت خلال تقرير أعده مراسل "فلسطين الآن".
والدة تفقد طفلها
وصفت مرام الهندي (20 عامًا) من مدينة خانيونس حادثة وفاة طفلها الرضيع حمدي الهندي خلال حديثها لـ"فلسطين الآن"، وقالت: "استيقظت على صوت بكائه مع أذان الفجر وأرضعته ثم نام، ومع النهار أطال في النوم، فأخذت أيقظ فيه دون جدوى، وأخبط فيه فلم يستيقظ، وفكيت عنه الكفولة فلم يستيقظ".
"حملته في حضني فكان وجهه مثل الثلج ولونه أزرق من البرد وأقدامه مثل الفليزر من كثر السقعة، أيقظت زوجي وقلت له: قوم شوف حمدي، فقام يخبط في الباب وينادي على أمه: يما يما قومي شوفي الولد، الولد مات"، تكمل الهندي روايتها والبكاء يخنق صوتها حزنًا على طفلها، وهي تردد: "الله يرحمه، الله يرحمه".
وتابعت وهي تبكي: "متت وفقعت لما اعرفت أنه مات، شفت ابني كان كويس مع الأذان وفجأة راح مني، وبتحسبن على إلي روحنا إلهم وما ساعدونا وكذلك قطعة الكهرباء، جبنا دفاية حتى ندفي فيها الأولاد الكهرباء قاطعة، لا يوجد كهرباء، حسبنا الله ونعم الوكيل في كل واحد ظالم".
وأكدت والدة الطفل حمدي ياسر الهندي (27 يومًا)، أنه لم يكن يعاني من أي مرض، ووصفت وهي تحمل الثياب التي توفي فيها رضيعها "لا يوجد بطانية ولا غطا أحطها على الولد، فش غطى أحطه عليه وتحته لا يوجد شيء، فقط هذين الحافين والله أعلم كيف أجونا حتى نغطي الأولاد فيها".
وعبرت عن خوفها من فقدان طفلتها الأخرى "رشا" صاحبة العام وثلاثة أشهر، التي بقيت وحيدة بعد وفاة شقيقها حمدي، مطالبة بحياة كريمة لطفلتها، قائلة: "أطالب دفا للبنت، وأطالب بكل شيء يوفر حياة كريمة لابنتي، وتظل بنتي عايشة فوق راسي وما أفقدها، أطلب فراش وغطاء".
أمنية بمنزل كريم
وبدوره أوضح والد الطفل ياسر الهندي 23 عامًا لـ"فلسطين الآن"، أنه كان يسكن مع أربع عائلات في بيت واحد، وقال:"كنت أسكن في مطبخ مترين في مترين، الذي كان يراها كان يقول لي ما هذه الزنزانة التي تعيش فيها، والذي كان يريد أن يدخل في الحمام يصعد من فوق الفرشة".
عرض أحد أهل الخير على المواطن الهندي أرضًا مبني فيها بناء بسيط بحجارة دون سقف، على أن يدفع ثمن الحجارة ليسكن فيها، إلا أن حالته الصعبة حالت دون ذلك، فاضطر ليتداين من أحد أقاربه ليستقر في هذا المكان بعد أن توجه لأكثر من جمعية ومؤسسة ليوفر "زينقو" وبعض الحاجيات الضرورية.
وعن حادثة وفاة طفله تابع الهندي: "في الليل أمه أرضعته، وصحيت الفجر وأرضعته بعد ما بكى، الصبح تقول لي ياسر يا سر الولد مش راضي يتحرك، صحيت من النوم بأنادي: يما يما الحقيني يما، جروا إخواتي والجيران، وجرينا حافيين حتى نلقى الإسعاف".
وأضاف: "عندما وصلنا المستشفى ورآه الطبيب، قال لي: أين والد الطفل، فأجبته، فقال: الولد مات منذ ساعتين الولد متجمد من السقعة، قال لي هذا وأنا أغمي على باب المستشفى وبكيت كثيرًا، والحمد لله على كل حال، ربنا لا يريده أن يعيش بالسقعة والذل الذي أعيش في هذه العيشة".
وقال: "أتمنى أن يوفروا لي مسكن حتى هذه الطفلة أحافظ عليها، ولو قدر الله أن تروح مني لن أقدر أعيش دقيقة، ولن أستطيع أن أجيب خلفة من السقعة والعيشة التي نعيشها، وحسبنا الله ونعم الوكيل في كل واحد بيطلع في إيده شيء ولم يساعدنا".
وناشد الهندي وعائلته كل من يستطيع المساعدة أن يوفرا له مسكنًا يعيش فيه، منوهًا أنه مريض ولا يستطيع العمل.
وختم بقوله: "أنا نفسي أعيش حياة كريمة ويتوفر لي منزل، الذي أطلبه أن أعيش مثلي مثل باقي الناس، أنا بدي أكون أقل من الناس، نفسي أعيش مثلثي مثل الناس، الله يعزكوا الكلاب لا تعيش في مكان هذا".
ووفق تقرير صادر عن الطب الشرعي، فإن سبب الوفاة المباشر للطفل الرضيع حمدي الهندي هو توقف الدورة الدموية والتنفسية، في حين أوضح والده أن سبب الوفاة هو البرد الشديد وفق ما أخبره الأطباء.