منذ بداية شهر مايو الحالي وقصة قتل بن لادن والوثائق التي عثر عليها في مقره تشكل أحد العناوين الرئيسية لوسائل الإعلام الأمريكية، ذلك أن حملة الرئيس أوباما الانتخابية انتهزت فرصة حلول الذكرى الأولى لقتله (في 2 مايو من العام الماضي) لإعادة تسليط الضوء على ما اعتبرته أحد أهم إنجازات الرئيس الأمريكي في ولايته الأولى. حتى قالت صحيفة نيويورك تايمز صراحة إن قتل بن لادن يكاد يلخص السنوات الأربع التي أمضاها أوباما في السلطة، وأن عملية «الرقص على جثة أسامة» باتت تستخدم كخلفية أساسية لحملة إعادة انتخابه. التي تصوره بحسبانه الرجل الحازم والمغامر الذي اتخذ قراره الشجاع بالقضاء على العدو الأول للولايات المتحدة الأمريكية. ذلك فتح الباب لمناقشات تحدثت عن آخرين مجهولين من رجال الاستخبارات والمحللين والمخططين العسكريين الذين جرى التعتيم على دورهم. كما تحدث آخرون عن أن أوباما قطف ثمار جهد سابقيه الذين لم يكفوا عن تتبع تحركات بن لادن ومحاولة الوصول إليه في عهد سلفه الرئيس السابق جورج دبليو بوش.. وكما ذكر خوسيه رودريجيز رئيس مركز مكافحة الإرهاب في عهد بوش في مقالة نشرتها الواشنطن بوست، فإنه لولا الجهد الذي بذله هو ورجاله قبل تولى أوباما للسلطة، ما كان ممكنا أن يقتل بن لادن وتطوى صفحته إلى الأبد. عندي كلام في الموضوع احتفظ به منذ شهرين، يضيف بعض المعلومات المهمة عن العملية. ويشكك في أهم التفاصيل التي جرى الترويج لها في القصة المذاعة. وما حصلته لم يكن نتيجة جهد بذلته، ولكنها معلومات ترددت كثيرا في نشرها لحساسيتها وخطورتها. أما مصدر المعلومات فهو باحث أمريكي محترم، له اسمه العالمي في مجال التحري والاستقصاء. لقد ظل صاحبنا يتتبع التفاصيل ويدقق فيها مستجوبا كل من كانت له صلة بالموضوع. وحين وضع يديه على القصة كاملة فإنه أدرك خطورتها وأحجم عن نشرها. لاعتبارات قدر أنها تمس الأمن القومي الأمريكي. ولذلك فإنه قرر الاحتفاظ بما توصل إليه في الوقت الراهن، وتحدث إلى نفر من خاصته عن جانب من الصورة التي وقع عليها. لا أخفى أنه ليس بمقدوري أن أتحقق مما سمعت من معلومات خطيرة، لأن أسرار العملية لا تزال مدفونة بعيدا في كواليس ودهاليز الاستخبارات الأمريكية، ولا أظن أنها سترى النور في وقت قريب. ولولا ثقتي في صدق ووزن وكفاءة المصدر لما جرؤت على ذكر أي منها. وقد شجعني على أن أبوح بالقدر الذي سمعته أن بعض المعلومات المهمة في الموضوع جرى التعتيم عليها، واستبدالها بروايات خاطئة تبعد المتلقي كثيرا عن الحقيقة. وسأكتفي هنا بمعلومتين أساسيتين حول القبض على بن لادن وقتله. فالرائج أن المخابرات المركزية تعرفت على مكان بن لادن بعدما توصلت بعد جهد شاق وطويل إلى وسيط له كان ينقل إليه المعلومات. وهو كلام لا أستطيع أن أنفيه، لكنى أضيف عليه أن الأمريكيين تلقوا معلومات سرية تفيد بأن بن لادن في مكان تسيطر عليه المخابرات الباكستانية. ولم يكن يعرف هذا المكان غير رجلين اثنين فقط، رئيس المخابرات والرجل الثاني بعده، وقد نجحت المخابرات الأمريكية في التوصل إلى الرجل الثاني، الذي أنكر في البداية أي معرفة له بالموضوع، ولكنه ضعف أمام إغراء 30 مليون دولار عرضت عليه لكي يدلهم على مكانه. وتم عقد الصفقة فعلا، ولأنه كان من المتعذر تدبير هذا المبلغ من الخزانة الأمريكية، فقد وفرته إحدى الدول الخليجية. وحين وصلت المعلومة إلى الطرف الأمريكي، تسلم الرجل المبلغ ثم اختفى تماما ولم يظهر له أثر في باكستان ولم يعرف له مكان خارجها. المعلومة الثانية خاصة بقتل بن لادن، ذلك أن الرجل حين انقض عليه رجال العمليات الخاصة وهو نائم، أطلقوا عليه 120 طلقة رصاص حتى اطمأنوا على الإجهاز عليه. وليس صحيحا أن جثمانه ألقى بعد ذلك في بحر العرب كما ذكرت البيانات الرسمية. ولكن الذي حدث أن رأسه قطع وحمل بالطائرة إلى واشنطن، في حين أن جثمانه ألقى فوق جبال هندكوشتى الشاهقة. الرجل الذي جمع هذه المعلومات لديه الكثير منها، لكنه لا يريد أن يفصح عما حصله. للسبب الذي ذكرته، وأكرر أنني أعرف قدره وأثق في مصادره وقدرته على الغوص وراء الأسرار، ولذلك غامرت بنقلها عنه. وإذا كان قد رفض أن يبوح بما عنده وأن ينشر شيئا عن نتائج بحثه المضني الذي استمر عدة سنوات، فلعلك تدرك لماذا كان على أن احتفظ باسمه.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.