13.64°القدس
13.44°رام الله
12.75°الخليل
19.26°غزة
13.64° القدس
رام الله13.44°
الخليل12.75°
غزة19.26°
الإثنين 06 مايو 2024
4.66جنيه إسترليني
5.24دينار أردني
0.08جنيه مصري
4يورو
3.72دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.66
دينار أردني5.24
جنيه مصري0.08
يورو4
دولار أمريكي3.72

خبر: قارئة الفنجان

هربت كعادة الهاربين من مواجهة الواقع، تركت محرابي وخرجت مهرولا باحثا عن الفهم الحقيقي لما يجري من حولي، العارفون عاجزون عن الفهم، غارقون في الشكل، بعيدون عن الواقع، يلهون أنفسهم وغيرهم بكلام بعيد كل البعد عن فهم الواقع والنظر نحو المستقبل. وقفت أتأمل المشهد من بعيد بعد أن هجرت محرابي وتركت قلمي وألغيت عقلي لساعة وأخذت ابحث عن الفهم لدى من يدعي زورا وبهتانا بالتنجيم وقراءة الكف والنظر بالفنجان، هؤلاء يدعون علم المستقبل ويقرءون التفكير ويًبصرون ويُبصرون ظانين علم الغيب، وهم آخر من يعلم ما علم الغيب، وأما علم الغيب هو خاصية لله لا يطلع عليها أين من خلقه جنهم وأنسهم. ورغم ذلك ذهب إلى العجوز في ركنها المعزول من المدينة، تسكن هناك بعيدا عن الأضواء في ظلمة، دخانها منبعث بقوة ، وحولها هرج ومرج وغبار، والكل ينتظر أن يتاح له الوقت ليجلس بين يديها ويشرب فنجان القهوة ليعرف مستقبله ويتعرف على حبيبه وعدوه، يحاول البحث عن ساعة فهم لواقع مبهم يكرر مشاهده برتابة .. الموت فيها اقرب من الحياة. وصلت حيث ذلك المكان المظلم وإذا بعشرات من البشر بعضها بائس وآخرون كنت اعتقد أنهم من علية القوم ومن فقهاء حياة، نظرت إليهم ونظروا، اعرفهم جميعا ويعرفوني، ضحكت على استحياء عندما قرأت ما يقولون في أنفسهم... حتى أنت تأتي إلى هنا؟ نعم الست إنسانا مثلكم أشعر كما تشعرون، وابحث عن فهم واقع.. مشكل .. مبهم تحيط به الشكوك، وتغلفه الأكاذيب وتقتله الجهالة، غارق في المجاملة، بعيد عن الصدق، الكل فيه يكذب ثم يكذب حتى من كثرة الكذب بات يؤمن بأن هذا الكذب هو الصدق بعينه، رغم أنه هو من صنع كذبه وتمادى فيه خادعا نفسه ومن حوله. جئت اليوم ولم أكن أتصور أن أرى هذه الوجوه وهذا العدد من الناس، وسألت ، ما الذي جاء بكم؟ أهو الجهل مثلي وعدم المعرفة؟ أم البحث عن المخبوء من المستقبل؟ أم جاء بكم ترف الحياة والتسلية؟ أما أنا فقد جئت لجهلي وقلة معرفتي بالأمور لتشابكها وتناقضها وإبهامها، بحثت عند العارفين فوجدتهم مثلي لا يعرفون. قلت: أين يمكن لنا أن نجد الفهم؟ أؤكد لكم أن هذا المكان لا فهم فيه مطلقا ولا علم أو مستقبل، وما يدعونه دجل في دجل؛ ولكن لعدم وجود من يقدم فهما حقيقيا لواقع مأزوم لجأت إلى هنا هروبا لا بحثا عن فهم أو معرفة، فقد سدت في الوجوه السبل، وبات الحليم حيران ، واختلطت المفاهيم، فبات الخائن والمؤتمن في القياس واحداً، وبات الخداع عنوانا للحديث تزييفا للحقيقة، وتعظيما للذات وصناعة للوهم، سوق تضيع فيه الأموال والأوقات، الداخل فيه والخارج... في داخله خراب مغلف بالزخارف من الألوان والأقمشة، يضحك من بداخله على نفسه وعلى الآخرين. دخلت وشربت فنجان القهوة، لم أذق لها طعما، ومن كثرة الدخان لم أر لها لونا، ولم اعلم أهي قهوة أم شيء آخر، لست مضطربا ولا خائفا ولا جاهلا للمكان وأهله، بل عالما بما يدور وآتيا بمحض إرادتي عازما على أن تقرأ لي العجوز فنجان القهوة. نًظرتُ ونًظرت، وقالت : لماذا جئت إلى هنا؟ قلت : بين يديك الفنجان أنظريه. أم انك لا تعرفين القراءة؟ . ضحكت. قلت: ولم الضحك. أتهزئين بي. الست واحدا من هؤلاء الجالسون في حضرتك من ذهب منهم ومن بقي، ضحكت مرة أخرى، ثم ألقت الفنجان بعيدا. عجلت بالسؤال وقلت لها : أترفضين قراءة الفنجان، أم أن ما فيه عصي على فهمك؟. نظرت بغضب. وقالت: لستً من أقرأ له الفنجان؛ لأن حاجتك ليست عندي، وفنجانك بلا طلاسم، إنه واضح ؛ ولكنك باحث عن أمر أجهله وتعلمه، ومجيئك هنا هاربا لا باحثا. عد من حيث أتيت فهذا ليس مكانا للفهم، هو مكان للدجل لمن يعيشون عيشة مترفة ومن أنهكتم الدنيا لجهلهم بها، ويبحثون عن مزيد، هذا مكان الجهل فيه هو من دفع رواده للمجيء، أنصحك أن لا تطلب الفهم من احد، فالفهم مكانه البحث والتبصر وتركيب جزئيات المشهد المتناثرة لتشكيل الصورة الواضحة، اصبر عليها وستأتيك جاثية على ركبتيها كما يجثو الحبيب لحبيبه، طالبا وده متهاديا بين يديه.