ظلموه فقالوا عنه "قلعة الموت" أو وصفوه بالمسلخ وبعضهم عندما يذكره يقول "الداخل إليه مفقود والخارج مولود".. يهاجمه كثير من الناس، يخافون من زيارته، لكن عندما يحتاجه أحد منهم، فإنه لا يتوانى عن اللجوء إليه، ليشاهد الجهد المبذول بأم عينه.
بسبب نوعية الأمراض التي يعالجها المستشفى الوطني الحكومي بنابلس، تكون بالعادة نسبة الوفيات أعلى من غيره.
يضم المشفى الذي بناه الأتراك قبل نحو 100 عام، عدة أقسام، مثل: قسم العناية النهارية وفيه أطباء وطاقم تمريضي أكفّاء مؤهلين بدرجة عالية من الناحيتين العلمية والمهنية يقدمون أفضل ما لديهم من الخدمات الطبية والنفسية للمرضى، قوامهم طبيبان و3 ممرضين و5 ممرضات وصيدلانية وباحث اجتماعي وكاتبة وسكرتيرة، وقد عاين القسم خلال العام الماضي أكثر من 15 ألف حالة.
الطبيب الرئيسي
الدكتور لؤي شاهين، شخصية معروفة لكافة المرضى، تجد رقم نقاله الشخصي مع كافة المراجعين وأقاربهم، دمث الأخلاق، سلس في التعامل، يعالج المريض نفسيا قبل عضويا بابتسامته المعهودة... كيف لا وهو طبيب له أكثر من ثلاثة عقود يعمل بالمستشفى الوطني، لأمراض الدم والباطنية والثلاسيميا!! ويتابع مرضاه في باقي الأقسام ضمن الزيارات الدورية الصباحية.
يقول شاهين: "الوضع هنا جيد ضمن الإمكانيات المتوفرة، أكشف وأعالج مرضى سرطان العظام والغدد اللمفاوية وأمراض نزف الدم (الهيموفيليا) والثلاسيميا وأمراض فقر الدم بكافة أنواعها.. ليس في محافظة نابلس فحسب، بل لطولكرم وجنين وقلقيلية وسلفيت وطوباس".
أما عن أهم الصعوبات، فتتمثل في صغر حجم المكان مع العدد الهائل من المراجعين، وعدم توفر قاعة انتظار تليق بالقسم، كذلك عدم توفر جهاز تصوير طبقي داخل المستشفى، إذ يضطر المريض أحيانا التأخر بالتشخيص نتيجة اكتظاظ مستشفى رفيديا الحكومي والحجز على الجهاز هناك، كذلك عدم توفر عدد كاف من الأطباء والتمريض المتخصصين، وآخرها وأهمها، انقطاع الأدوية الذي يربك الطاقم الطبي ونعمل على تحويل المرضى وبالتالي الارباك المرافق للعملية.
الدكتور نصورة
أما الطبيب الثاني في قسم الأورام، فهو الدكتور محمود نصورة.. شاب عمره (40 عاما) خريج إيطاليا، يعمل منذ 5 سنوات اخصائيا للأورام الصلبة.. عيادته داخل المستشفى 3 أيام في الأسبوع، يعاين فيها مرضى السرطان المصابين بأورام في الثدي والقولون والرئتين والبروستات والمعدة والمثانة والرحم والمبايض والدماغ وغيرها.
يقول: "الشائع هنا في فلسطين هو مرض سرطان الثدي لدى النساء ومرض الرئتين والبروستات الأكثر لدى الرجال، ويجمع الجنسين بالتساوي مرض سرطان القولون".
يتابع: "الوضع على الرغم من كافة المعيقات والتحديات جيد، هناك مرضى جربوا العلاج بالخارج، وعادوا بكل ثقة لهنا، هنا أزمة مرضى صحيح، المريض قد لا يأخذ وقته في بعض الأحيان، لكن لا يوجد مريض يخرج دون علاج أو اجحاف في حقه الأساسي بالعلاج".
يضيف "هناك زيادة في أعداد مرضى السرطان مقارنة بالسنوات القليلة الماضية، كنا منذ نحو 5 سنوات، نستقبل ما معدله 300 حالة جديدة لمرضى السرطان من شمال الضفة الغربية ممن يراجعون المستشفى الوطني، أما الآن فالعدد زاد لنحو 500 مريض سنوي، أعاينهم في عيادتي هنا ولا أتكلم عن مرضى سرطانات الدم عند زميلي الدكتور لؤي".
ويمضي واصفا الحال "اضطر أحيانا لمعاينة وتشخيص وصرف علاج لأكثر من 70 مريضا باليوم، هذا عدا عن المراجعات الطارئة يوميا والمرور على الأقسام داخل المستشفى، ما يجعل الدوام عبارة عن إرهاق جسدي وذهني على مدار الساعة".
ويضيف "مطلوب مني في حال مغادرة البلاد لدوره تدريبية أو التزام عائلي، ترتيب كافة الفحوصات والوصفات الطبية للمرضى للأيام التي لا أكون متواجدا فيها، حتى لا يتم الاخلال لأي منهم بالبروتوكول العلاجي".
تشتيت الخدمة
وعن أبرز العقبات التي تواجه الطاقم الطبي والمرضى على حد سواء، تنهد قليلا وقال: "لربما تشتت المريض خلال فترة الفحص والعلاج هي أصعب ما يؤرقنا، فلا توجد خدمة له في مكان واحد. في المستشفى الوطني لا يوجد جهاز تصوير طبقي، فنضطر لتحويله إما لمشافي الحكومة أو القطاع الخاص. الخزعة التشخيصية كذلك لا تجري داخل المستشفى. العلاج النووي والإشعاعي والجراحي لا يتم هنا".
يتابع "كذلك النقص في الكوادر، فنحن طبيبان نغطي منطقة الشمال بشكل شبه كامل، إضافة إلى موضوع الأدوية ونقصها، فهذا موضوع يزعجنا".
التوظيف فوري
وردا على تلك الملاحظات، أكد مدير عام المستشفيات في وزارة الصحة، الدكتور حمدي النابلسي أن وزارة الصحة تدرك صعوبة الوضع في المستشفى الوطني، وتحديدا على صعيد قلة عدد الأخصائيين في الأورام، وغيرها من التخصصات.
وكشف النابلسي عن استعداد الوزارة لتوظيف أخصائيي أورام وجراحة أعصاب وأمراض الكلى فورا، وتابع "من لديه هذه المؤهلات فليتفضل فالوظيفة موجودة بعقد من وزارة الصحة".
ولفت إلى أنه من خلال الأشهر الماضية ابتعثت وزارة الصحة 10 أطباء لمركز الحسين للسرطان بالأردن، في جميع التخصصات والأورام، وسيتم بعث 10 أطباء آخرين إلى ايطاليا".
ووعد النابلسي بزيادة عدد الأطباء في قسم الطوارئ ليتلاءم مع عدد الأسرة الموجود في القسم، "ولنقوم بتقديم كافة الخدمات وعلى أفضل صورة".
ونوه إلى افتتاح قسم التوسعة في قسم الطوارئ بالمشفى، قائلا "الأمر لم يكن مستحيلا، ولكن حصلت بعض التأخيرات، مضيفا أن القسم يتسع لعشرة أسرة مجهزة بالمعدات اللازمة لقسم الطوارئ، وأنه في الأيام المقبلة سيبدأ المشروع التركي بقيمة أربعة مليون وإعادة تشطيب المستشفى ومدها بالأجهزة اللازمة وحتى نهاية العام سيكون المستشفى جاهز بحلته الجديدة حسب الأتراك.
وأضاف أن هناك مشروع بناء طابقين جدد في المستشفى، بالإضافة إلى قسم السرطان الذي سيتم إكماله بالرغم من قلة الأطباء.
مساعدة نفسية واجتماعية
الباحث الاجتماعي صلاح عباس، الذي يعمل بهذه الوظيفة منذ 25 عاما ضمن برنامج الخدمة الاجتماعية الطبية التي تهدف إلى ربط المؤسسة الطبية بالمجتمع الخارجي ومؤسساته المختلفة للاستفادة من إمكانياتها وخدماتها في تحسين جودة الخدمات المقدمة للمريض.
أبو عاصم أول من يلتقي بالمريض، يقول: "نساعد مرضى السرطان والدم على مواجهة المرض معهم بما يساعدهم على تلقي العلاج وإتمام الشفاء ومعاونتهم على الاستفادة من الموارد المتاحة في المجتمع على أفضل وجه بما يلائم ظروفهم واحتياجات أسرهم".
يضيف: "نزود الطبيب المعالج بمعلومات خاصة عن المريض وظروفه الاجتماعية والنفسية والبيئية، لما لذلك من أهمية في عملية التشخيص لحالته ووضع خطه العلاج المناسبة، كما ننسق عمليات الاتصال اللازمة بين وحدات المستشفى وأقسامه المختلفة، وبين المستشفى وخارجه، بما يضمن حصول المرضى على الرعاية الكافية وفق حالاتهم".
وينوه عباس إلى أن أحد أهم أهداف الباحث الاجتماعي هو مساعدة الطاقم الطبي من الأطباء والتمريض للتعرف على ظروف المريض ومشاكله الخاصة لوضعها بعين الاعتبار عند التعامل معه، كذلك تقديم الدعم النفسي والاجتماعي لمريض السرطان وشرح مضاعفات العلاج العضوية والنفسية والاجتماعية وكيفية مواجهتها من خلال إشراكهم بجلسات إرشاد نفسي واجتماعي، مع التواصل مع وزارة التنمية الاجتماعية ووكالة الغوث ولجان الزكاة المختلفة وعرض بعد الحالات عليهم والتواصل مع بعض الحالات في المنازل عند الضرورة".
باختصار، المستشفى الوطني يقدم خدمات عظيمة، بطاقم متميز يعاني هو أيضا، والمستشفى بحاجة ماسة للترميم والتجديد وتزويده بالمعدات والأجهزة والكوادر اللازمة، خاصة قسم العناية النهارية الذي يغطي قسم منه كامل شمال الضفة الغربية، وهذا يحتاج إلى موازنات ضخمة ربما لا تستطيع الحكومة لوحدها تحملها في ظل الضائقة المالية التي تمر بها.