6.12°القدس
5.88°رام الله
4.97°الخليل
10.55°غزة
6.12° القدس
رام الله5.88°
الخليل4.97°
غزة10.55°
الخميس 18 ديسمبر 2025
4.32جنيه إسترليني
4.56دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.79يورو
3.23دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.32
دينار أردني4.56
جنيه مصري0.07
يورو3.79
دولار أمريكي3.23

الحمود يرسم لوحة عن "طواحين الفارعة" المندثرة

محتميا من البرد بكوفية حمراء، يقف المزارع علي مثقال الحمود (71 عامًا) على أطلال طواحين وادي الفارعة، -على الطريق بين نابلس وطوباس- التي عاصرها قبل أفول نجمها.

يقول "كانت ينابيع الفارعة تتدفق في الوادي بقوة، وأقيمت على جوانبه 12 مطحنة قمح تعمل بالماء، وبقيت ثلاث منها تدور حتى العام 1972، وهي: الدبورية، والزكية، والمشاقية، وأذكر جيدًا كيف كنا نجمع الأسماك من محيطها، ولا أنسى ما نقلته لي أمي عن أخي الأكبر أحمد الذي توفي بعدما سقط في إحدى الطواحين لشدة تدفق الماء".

ذكريات الماء

يضيف، كنا نمشي في "طريق تركيا" كل يوم من وادي الربيعية، ونصل بقايا جسر تركي قديم، ثم نشاهد القادمين على الخيول والدواب، الذين يحملون القمح لطحنه.

ووفق الحمود، فقد اختفت طواحين الوادي: الميثلونية، والدبورية، والربيعية، والمشاقية، والطوباسية، والطمونية، والزكية، وأخواتها، وبقيت أطلال بعضها وذكريات كبار السن الذين شاهدوها تعمل بكل طاقتها أيام الحكم العثماني، ثم شاهدها الجيل التالي، فكان أصحاب الطواحين يجمعون الماء في خرطوم خشبي، ويدفعون به إلى حوض في أسفل البناء، وحين يصب الماء على الحجر المربوط بالأنبوب العلوي، يدور دولاب الطاحونة بقوة كبيرة.

يقول: كان أساس الطواحين العمود الخشبي الذي يشبه محرك الجرار الزراعي الذي يشغّل الأدوات الزراعية، فهو مربوط بحجر كبير في الأعلى، وحين يتحرك تبدأ عملية طحن الحبوب، وإن أراد إيقاف الدولاب، يقترب من طاقة علوية مربوط فيها ألواح خشبية عريضة كان يسميها الأطفال "مندلينا"، حين تسحب يتوقف تدفق الماء عن فراشات المحرك، وإن أراد إعادة تشغيلها يسحب نحوه في جهة معاكسة. فيما كانت أسفل قناطير الطاحونة تسمى "النذر"، وهي منطقة مرتفعة تجري في داخلها المياه، وتحتها حوض الطاحونة في الأسفل.

واستناداً إلى الراوي، فإن طواحين الفارعة كلها كانت تسير بالتتابع، فحين يصل الماء لأول الطواحين وتدور رحاها، تنتقل المياه بسرعة إلى الطاحونة التالية، وهكذا وصولاً إلى الطاحونة الأخيرة، عند جسر الملاقي (الذي يجمع وادي الفارعة بوادي الباذان)، وكلها في خط سير الوادي ذاته.

أجور وطحين

يتابع: كان بعض أصحاب الطواحين يتقاضون ربع الدقيق بدل طحن الحبوب، وبعضهم يأخذ ثلث الطحين، ولم تكن النقود دارجة حتى توقفها في العام 1972، ولم تجف ينابيع الوادي طوال عمل الطواحين، فقد كانت الأمطار غزيرة دائماً.

ويقول: كنت أزرع البطيخ والبندورة والخيار والفستق والشمام في الأراضي الوعرة فوق الوادي، وكنا نسحب الماء من آبار عديدة قبل جفافها، وفي مواسم المطر الجيدة كان الوادي يجمع كميات كبيرة من المطر ثم تشربها الأرض، أو تظل تجري حتى جسر الملاقي وتصل نهر الأردن. أما هذه الأيام فمياه الأمطار تتوقف فترة قصيرة، ثم تشربها الأرض، وقد بدأنا نعاني جفاف الآبار منذ بداية الثمانينات. وقد اسـتأجرت 30 دونما في المنطقة قبل العام 1967 بمبلغ ستين ديناراً لعشر سنوات، وكنت أسحب المياه من المنطقة إلى سهل سميط، وحتى في الأراضي الوعرية كان وزن البطيخة الواحدة يفوق العشرين كيلوغراما.

وبحسب الراوي، فقد جفت بساتين الحمضيات في الوادي وينابيعه، ولم يتبق من طواحين الهواء إلا بعض الآثار المتداعية، وصارت بعض أماكن الطواحين مكرهة تجمع الخنازير، وتجمع ماء المجاري، وتلفظ مطاحن الحبوب آخر أنفاسها، بسبب انتشار المخابز الآلية، وتوقف معظم الناس عن صناعة خبزهم بأنفسهم.