بعد أيام من قرار الإدارة الأميركية الرفع الجزئي للعقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان منذ العام 1997، ووعد الخرطوم بانفراج فوري لأزمة البلاد الاقتصادية، فإن توالي ارتفاع أسعار السلع ما يزال يشكل هاجسا للمواطن بفئاته المختلفة.
ورغم مضي أسبوع على صدور قرار رفع العقوبات الأميركية، يواصل السوق السوداني غليانه وفق مواطنين، محطما كل توقعات المؤسسات الاقتصادية والمالية في البلاد.
وما تزال الاحتفالات الرسمية بالقرار تسيطر على المشهد العام في السودان، دون الالتفات إلى توالي صعود أسعار السلع الاستهلاكية والدواء إلى سقوف غير مقدور عليها.
ومبعث الاحتفاء الرسمي -على ما يبدو- هو اعتقاد الحكومة التخلصَ من عبءٍ أثقل كاهل الاقتصاد السوداني، وقدّره وزير المالية بدر الدين محمود بنحو 500 مليار دولار فقدها السودان أثناء العقوبات التي امتدت لأكثر من 17 عاما.
فجوة
في المقابل يرى خبراء أن الأزمة الاقتصادية السودانية تكمن في عدم توازن الميزان التجاري، والفجوة الكبيرة بين الصادرات والواردات، مشددين على ضرورة التعامل مع القرار الأميركي واعتباره مجرد إجراء لخلق أجواء أفضل لحلول اقتصادية جذرية تعالج مشاكل الاقتصاد الكلية الحقيقية.
ومع تدني مستوى المعيشية وارتفاع أسعار جميع السلع بدون استثناء، مما يجعل الحصول على الضروريات -وفق مواطنين- أمرا عصيا، ينتظر الشعب السوداني تغييرا في السياسات الاقتصادية الحالية التي وصفوها بالمرهقة.
ولم تشهد الأسواق السودانية أي هبوط في الأسعار كما وعد المسؤولون السودانيون في الحملة الإعلامية التي تم بموجبها تسويق القرار الأميركي وسط المواطنين كطوق للنجاة.
فالدواء واحد من السلع الضرورية التي شكلت هاجسا للمواطن السوداني خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث لا يتوقع الصيدلاني محمد مكي أن تنخفض أسعارها لعدم ارتباطها بالعقوبات الأميركية وتبعاتها.
ويؤكد في تعليقه للجزيرة نت أن أسعار الدواء لم تشهد أي تغيير خلال الأسبوع الماضي، حيث ظلت مستقرة طوال الفترة التي تلت قرارات الحكومة رفع الدعم عنها وتحريك السعر الرسمي للدولار مقابل الجنيه السوداني من 6 جنيهات للدولار إلى 15.8 جنيها.
وبرأي مكي فإن خفض أسعار الدواء يتطلب مراجعة سعر صرف النقد الأجنبي وخفض السعر الرسمي للدولار مقابل العملة المحلية.
استقرار نسبي
أما أسعار السلع الاستهلاكية والملابس فهي الأخرى ما تزال تشهد ارتفاعا متواليا دون أي تأثير.
وفي هذا الصدد يؤكد وليد محمد أحمد (تاجر ملابس) أن أسعار السلع لم تشهد أي تراجع خلال الأسبوع الماضي.
ويشير وليد في حديث للجزيرة نت إلى أن ثمة استقرارا نسبيا في أسعار الملابس التي يرتبط استيرادها بالدولار قياسا مع الفترة السابقة التي زادت فيها الأسعار بمعدل يومي.
في المقابل أكد المحلل الاقتصادي محمد الناير في حديث للجزيرة أن تطورا إيجابيا أحدثه قرار رفع الحظر خلال الأسبوع الماضي "لا سيما في سعر صرف الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية الحرة".
وعبر عن اعتقاده بأن السوق الموازي شهد تذبذبا في سعر الدولار مما أدى إلى تراجع الدولار إلى نحو 16 جنيها، بعدما كان قد اقترب من 20 جنيها في الفترة الماضية.
ورأى الناير أن انخفاض سعر الدولار "يجب أن يصاحبه تراجع في الأسعار، لكن القطاع الخاص السوداني بطبيعته يتعامل بسرعة مع زيادة الأسعار ويتباطأ عند خفضها".
وطالب الحكومة بالإسراع في تعديل السياسات النقدية وجلب مدخرات المغتربين عبر القنوات الرسمية، وفتح بورصة للذهب، بجانب تهيئة البيئة الاستثمارية.