27.21°القدس
26.62°رام الله
26.08°الخليل
26.5°غزة
27.21° القدس
رام الله26.62°
الخليل26.08°
غزة26.5°
الأحد 06 أكتوبر 2024
5جنيه إسترليني
5.38دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.19يورو
3.81دولار أمريكي
جنيه إسترليني5
دينار أردني5.38
جنيه مصري0.08
يورو4.19
دولار أمريكي3.81

إسرائيل وما بعد «أم الحيران»

صالح النعامي
صالح النعامي
صالح النعامي

تمثل الجريمة التي ارتكبها الكيان الصهيوني في قرية «أم الحيران»، في النقب، الأسبوع الماضي نقطة تحول فارقة في العلاقة بين تل أبيب وفلسطينيي الداخل.

لقد جاءت هذه الجريمة كحلقة من حلقات الحملة التي أعلن عنها من قبل رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو وكبار وزرائه، والتي تهدف إلى تهويد منطقتي النقب والجليل، إلى جانب مخطط حسم المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية واستكمال تهويد القدس ومحيطها.

لقد جاءت جريمة «أم الحيران» بعد أسبوع على جريمة مماثلة في بلدة «قلنسوة» في المثلث، حيث أقدمت سلطات الاحتلال على تدمير منازل الفلسطينيين هناك بحجة البناء بدون ترخيص. وقد مثل ما حدث في «أم الحيران» و»قلنسوة» دليلا آخر على الطابع العنصر للكيان الصهيوني.

فهذا الكيان الذي يدعي أنه يتعاطى مع فلسطينيي الداخل كـ «مواطنين إسرائيليين متساويي الحقوق» خرج عن طوره من أجل التوصل لحل يضمن عدم تدمير منازل يهود اغتصبوا أرض فلسطينية في الضفة الغربية، وأقاموا عليها مستوطنة بدون إذن الحكومة الصهيونية ذاتها، وأطلقوا على هذه المستوطنة اسم «عمونا»، حيث أصدرت المحكمة الصهيونية العليا قرارا بهدم هذه المستوطنة.

لقد حرصت إسرائيل على البحث عن حل يضمن نقل هؤلاء المستوطنين إلى أرض فلسطينية أخرى تم اغتصابها وتعويض كل عائلة تقيم هناك بأكثر من مليون شيكل (350 ألف دولار). ولا حاجة للقول إن أحدا في الحكومة والجيش لم يفكر للحظة أن يقوم بهدم منازل المستوطنين.

من نافلة القول أنه لا يمكن المقارنة بين الفلسطينيين من أصحاب الأرض الذين بنوا بيوتهم فوق أراضيهم والمستوطنين الذين لم يكتفوا بما تسلبه حكومتهم من أراض فلسطينية، فقاموا بأنفسهم بسلب أراض أخرى لتدشين المزيد من المستوطنات.

وفي الوقت الذي توافد الوزراء والنواب الصهاينة لمستوطنة «عمونا»؛ للتعبير عن تضامنهم مع المستوطنين، فإن هؤلاء تباروا فيما بينهم في التحريض على هدم المزيد من منازل فلسطينيي الداخل.

إن التوسع في سياسات تدمير المنازل يرتبط بشكل أساس بحجم الرهانات التي يعلقها اليمين الحاكم في تل أبيب عهد ترامب، على اعتبار أن نتنياهو وقادة حكومته ينطلقون من افتراض مفاده أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستغطي أي إجراء قمعي صهيوني، سواء داخل حدود الضفة الغربية وداخل فلسطين 48.

إن استهداف النقب بشكل خاص على هذا النحو غير المسبوق يأتي في إطار سياسة صهيونية جديدة تقوم على تقليص وجود القبائل البدوية التي عاشت فوق هذه الأرض منذ مئات السنين من أجل بناء المزيد من المستوطنات عليها. فقد تم تدمير قرية «أم الحيران» من أجل إقامة مستوطنة جديدة أطلق عليها «حيرن»، خصصت لليهود من أتباع التيار الديني الصهيوني.

وما يزيد حساسية الصهاينة من تواجد القبائل البدوية الفلسطينية في النقب تحديدا حقيقة أن معدلات التكاثر الطبيعي لدى القبائل البدوية مرتفع جدا، لدرجة أنه ينذر بتمكين هذه القبائل من تجذير سيطرتها على الأراضي التي توارثتها عبر الأجيال.

وما ينطلق على النقب ينطبق على منطقتي الجليل، على اعتبار أن إسرائيل تقر بأنها فقدت التفوق الديموغرافي لليهود في منطقة الجليل؛ مما يستدع محاولة استعادة هذا التفوق عبر تدمير المنازل الفلسطينية، وبناء المزيد من المستوطنات، وتوفير حوافز لاستقدام عشرات الآلاف من اليهود للإقامة في هذه المنطقة.

لكن الصهاينة يلعبون بالنار من خلال الإصرار على هذه السياسة، على اعتبار أن البدو وسائر فلسطينيي 48 لن يتصرفوا وفق سقف التوقعات الصهيوني. وهناك في تل أبيب من بات يحذر من «ثورة بدوية» مسلحة ضد إسرائيل في النقب، يكون من الصعب على الأمن الصهيوني مواجهتها.

قد تجد إسرائيل ذاتها عند مفترق طرق خطير، على اعتبار أن ردة الفعل في النقب والجليل على عمليات الهدم قبل تتزامن من انفجار الأوضاع في الضفة الغربية بفعل القرارات غير المسبوقة التي قد ستقدم عليها حكومة نتنياهو قريبا، والتي تتمثل في الشروع بضم المستوطنات اليهودية لإسرائيل، وهي خطوة لم يتم الاقدام عليها إلا مرة واحدة وذلك في 21 مارس 1968 عندما تم ضم القدس الشرقية.

لكن نتنياهو الذي يواجه قضايا فساد خطيرة يمكن أن تضع حدا لحياته السياسية معني بالاستثمار في استفزاز الفلسطينيين من أجل استرضاء قواعد اليمين، ولمحاولة إخماد أية محاولات داخل حزب الليكود لاستبداله، ولا سيما أن حرب الخلافة قد بدأت بالفعل.

قصارى القول.. لا خيار أمام الفلسطينيين في الضفة والنقب والجليل والمثلث، وفي كل مكان سوى الإصرار على إفشال مخططات التهويد.