طفى على السطح، مؤخرا في دوري "الوطنية موبايل" للمحترفين في المحافظات الشمالية، ظاهرة سماسرة كرة القدم الذين ينوبون عن اللاعبين في الجلوس مع إدارات الأندية والحصول على أعلى العقود المالية مقابل عمولة تصل في حدها الأدنى إلى 5000 شيقل.
هذه الظاهرة متواجدة عالميا في كل الدوريات الكروية، وهي مهنة يجني من ورائها الوكلاء والسماسرة أموالا طائلة، لكن في دوري حديث النشأة والتكوين تسير فيه عجلة كرة القدم ببطيء شديد لابد على المسؤولين الحد من تدخلات السماسرة قدر الإمكان.
والناظر إلى الصفقات المريبة التي تُعقد تثبت أن السماسرة هدفهم فقط جمع المال دون أي رغبة في تقديم النصح والدعم للفرق الرياضية المختلفة، "فلسطين الآن" بحث مطولا في هذه الظاهرة والطرق الواجب اتباعها لإنهاء حالة التخبط الحاصل في إدارات فرق الدوري.
مهنة عالمية
المدير الفني سمير عيسى أكد أن السمسرة أصبحت مصدرا للرزق لبعض الأشخاص، الذين يأتون عادة من الداخل الفلسطيني المحتل، نظرا لأن الأنظار توجه نحو سوق اللاعبين هناك.
وقال عيسى لـ"فلسطين الآن": "هي مهنة عالمية شئنا أم أبينا، وهي تشعل المنافسة بين الفرق لنيل رغبته في ضم لاعب معين".
وأضاف أن ارتفاع قيمة العقود بدوري المحترفين جاءت نتيجة طبيعية لهذه المنافسة التي تدخلها الفرق التي تعاني من فقر كبير في الكادر المحلي للاعبين، ويجري حينها البحث عن عناصر لتغطية العجز الحاصل.
ولفت عيسى إلى أن دوري المحترفين بات ملكا لمن يستطيع أن يجمع ويعد ميزانيات سنوية تشغيلية للفريق، فالرياضة بعصر الاحتراف تعتمد المال أساسا في كرة القدم.
من جانبه، رأي المحلل الرياضي نمر أيوب، أن حجم الأموال التي تدفع كمستحقات للاعبين مبالغ فيها ليس لشيء، ولكن لأن الدوري الفلسطيني بالضفة المحتلة هو دوري محترفين شكلا وليس مضمونا.
وبين أيوب لـ"فلسطين الآن" أن الاحتراف يتطلب توافر موازنات واضحة لا لبس فيها، وجوائز مالية مجزية نظير الفوز بالبطولات والألقاب لإشعال المنافسة التي ستعود بالنفع على المنتخبات الوطنية المختلفة.
وأشار إلى أن أغلب اللاعبين القادمين من الداخل المحتل وصلوا للدوري الفلسطيني عبر وسطاء وسماسرة، منوها إلى أن السماسرة هم مدربين ويستغل علاقاته من أجل إقناع اللاعب بالقدوم واللعب تحت قيادته بهدف كسب عمولات مالية من اللاعب والنادي.
الإدارات هي السبب
ولأن دوري المحترفين اعتمد منذ بدايته على التعزيز وجلب اللاعبين من خارج نطاق النادي تدفع الفرق المحلية حاليا نتيجة ذلك، قلما تجد فريق بدوري المحترفين يمتلك لاعبين محليين قادرين على اقتحام التركيبة الأساسية، مما أرهق موازنات الفرق ودفعها إلى عدم الإيفاء بتفاهماتها مع اللاعبين.
من جانبه، عزا اللاعب السابق في هلال القدس حسام أبو صالح هذا الأمر إلى فقدان فرق المحترفين التخطيط السليم والعمل فقط على تجميع أكبر عدد من اللاعبين من أجل بناء فرق تنافس على الدوري لسنة واحدة.
واستغرب أبو صالح لـ"فلسطين الآن" من إفراط فرق دوري المحترفين في التعاقدات بمبالغ مالية مرتفعة، مثلما حصل مع هلال القدس الذي عزز صفوفه بما يزيد عن 12 لاعبا ليضطر مؤخرا للتخلي عن أبرز سبعة لاعبين نظرا للضائقة المالية التي سببها رفض رئيس النادي الأسبق باسم أبو عصب تحمل مصروفات الفريق.
وشدد على أن اللاعبين الذين يتقاضون مبالغ كبيرة بدوري المحترفين تصل إلى 14 و15 ألف شيقل هم بالأساس يتقاضون 6 أو 7 آلاف بدوري الداخل، لافتا إلى أن الإدارات هي من تقف وراء هدر المال العام فلا يعقل أن يصرف نادي معين 4 ملايين شيقل من أجل مكافأة للفوز بالبطولة لا تتعدى 30 ألف دولار.
وأكد أبو صالح أن اتحاد الكرة مطالب بإنشاء محكمة رياضية تتمتع بصلاحيات واسعة للنظر في مشاكل اللاعبين مع إدارات الأندية، وتلزم الفرق بتسديد كامل العقود التي أبرمت، مشيرا إلى أن ذلك من شأنه أن يغير الوضع الراهن ويدفع الإدارات إلى العقلانية في الصرف.
الاهتمام بالفئات السنية
أما المدرب الوطني أيمن صندوقة، فأرجع مكمن المشكلة في الوضع الراهن بدوري الوطنية موبايل إلى فقدان التخطيط الاستراتيجي، الذي يقود إلى غياب الأهداف المرحلية.
ونوه صندوقة لـ"فلسطين الآن" إلى أن غياب الاستقرار الإداري والخطط طويلة الأمد دفعت الأندية إلى التفكير في الاتجاه إلى التعزيز، واستغلال نفوذها المالي للمنافسة لسنة واحدة على الألقاب المحلية.
وأكد أن الجميع مطالب في الوقت الحالي بالتركيز أكثر على وضع خطط استراتيجية للفرق لأربع سنوات لتجنب التخبط الحاصل، والاعتماد على أبناء النادي مع بعض التعزيز في جوانب النقص، مشددا على أن ذلك بحاجة إلى قرار جريء من الإدارات.
وطالب صندوقة إدارات الفرق المختلفة بدوري المحترفين بضرورة العمل على تحضير فرق الناشئين والشباب والاستثمار بكل قوة في هذا المجال وإسناد المهمة إلى مدربين مؤهلين قادرين على تطوير اللاعبين لخلق جيل قادر على مواكبة تطور كرة القدم الحديثة للوصول للفريق الأول.
وأشار إلى أنه يجب على الفرق بدوري المحترفين ترك العشوائية بالعمل الرياضي، فلا يعقل أن يبنى فريق للمنافس على البطولة وعند انتهاء نصف الدوري يقوم بتحرير عدد كبير من اللاعبين ويتجه نحو المنافسة على البقاء، متمنيا أن تنتهج الإدارات المهنية في التخطيط السليم ووضع الأهداف لخلق جيل رياضي جديد يساهم في دفع عجلة كرة القدم الفلسطينية.