في ظل وعود الحكومة المصرية بتهيئة بيئة جاذبة للاستثمار، وتأكيدها على أن تعويم العملة المحلية وإصدار قانون جديد للاستثمار سيساعدان في استقطاب المستثمرين الأجانب؛ جاء تقرير النمو الشامل والتنمية لعام 2017 -الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس السويسرية- صادما.
فقد أظهر التقرير الذي صدر قبل أيام أن مصر من أسوأ عشرين دولة في مجال الاستثمارات وبيئة الأعمال والوساطة المالية، مما أثر على ترتيبها الكلي لتحل في المركز الـ73 من إجمالي 79 دولة مصنفة ضمن مجموعة الدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض.
وكشف التقرير الصادر عن أكبر منتدى اقتصادي دولي أن الإصلاحات الاقتصادية التي اتخذتها القاهرة لن تكفي للإسراع بمعدلات النمو دون زيادة حقيقية في معدلات الاستثمار، وأن نسبة الفقر في مصر تبلغ نحو 27% في ظل تعويم الجنيه وتطبيق ضريبة القيمة المضافة ورفع أسعار الوقود وتقليص الدعم.
ويرى الكاتب الاقتصادي ممدوح الولي أن تدهور الاستثمار في مصر يرجع إلى "تعدد مشاكل المستثمرين من البيروقراطية والفساد، ومزاحمة الجيش للقطاع الخاص، والتحفظ على أموال ومنشآت العديد من رجال الأعمال، وارتفاع التضخم وسعر الاقتراض المصرفي، وصعوبات التمويل وانخفاض إنتاجية العمالة ونقص الأراضي الصناعية وارتفاع تكلفتها وسرعة تغيير القوانين الاقتصادية".
وجهة نظر المستثمر
ويضيف في حديثه للجزيرة نت إلى هذه الأسباب: "عدم دراسة الحكومة كافة السيناريوهات المحتملة بعد قراراتها، والذي يجعلها تتجاهل وجهة نظر المستثمر الذي يجد أمامه فرصا في بلدان عدة تمنحه مزايا في سعر الأراضي أو الإعفاءات الضريبية أو نسب فائدة التمويل، مما لا يجعله مضطرا لتحمل المخاطر الموجودة في البيئة المصرية".
ويشير الولي إلى أن الحكومة بنت تفاؤلها على اعتبار أن تعويم الجنيه "سيجعل شراء الأجانب للأصول المصرية أرخص بعد التعويم، لكنهم غفلوا عن أن ذلك ليس العامل الوحيد لقدومهم، فهم أيضا يحتاجون استقرارا أمنيا وسياسيا وإجراءات شفافة وإمكانية لتحويل أرباحهم للخارج، وهي عوامل غير موجودة".
ويرى أن "عودة الديمقراطية وسيادة القانون هي السبيل الأمثل لطمأنة المستثمر بأنه سيجد قانونا وقضاء مستقلا يحميه وبرلمانا قويا يحقق المساواة بين جميع المتعاملين بالسوق".
بدوره، أضاف المحلل الاقتصادي مصطفى عبد السلام إلى ما ذكره الولي من أسباب لهذا التدهور: "حالة الغموض المستمرة بالبلاد وعدم الاستقرار السياسي واستمرار الانقسامات داخل المجتمع والتنصت على السياسيين"، فهي في رأيه "وإن كانت أسبابا سياسية، لكنها تمثل قلقا للمستثمر كما ذكر تقرير صدر مؤخرا عن البنك الدولي".
ورأى في حديثه للجزيرة نت أن "هذا التصنيف سينعكس سلبا على الاقتصاد المصري خاصة مع القوة التي تحظى بها تقارير المنتدى الاقتصادي العالمي في أوساط المستثمرين الدوليين، بل وسط رؤساء الدول والحكومات".
إجراءات سريعة
وشدد عبد السلام على أن "الحكومة المصرية مطالبة باتخاذ إجراءات سريعة لتحسين مناخ الاستثمار عبر أدوات سياسية، منها تبريد الساحة السياسية وإجراء مصالحة مجتمعية والتوقف عن الحديث عن الإرهاب. ويواكب ذلك إصلاحات اقتصادية منها تقليل العجز في الموازنة العامة والحد من التضخم الذي يهدد مناخ الاستثمار وتوفير الدولار بالبنوك للمستثمرين".
في المقابل، قالت وزارة الاستثمار المصرية أمس الثلاثاء في بيان إن تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي "يتناول تقييما للفترة من عام 2011 وحتى عام 2015، وهي الفترة التي مرت فيها مصر بالعديد من التحديات بعد ثورة يناير 2011".
وأشارت إلى أنه "خلال العامين الماضيين فقط اللذين لم يتضمنهما التقرير، نجحت القيادة السياسية ببذل جهد لتحقيق أولى عناصر تحقيق الاستقرار السياسي والأمني، إضافة إلى الطفرة التي تحققت في تطوير البنية التحتية من شبكة طرق ومحطات كهرباء وموانئ والتي تعد نواة أساسية لمناخ اقتصادي جاذب".
وأضافت الوزارة في بيانها أنه "عند قراءة التحليل بشكل علمي يجب مراعاة عدم مقارنة مصر بـ109 دول محل التقييم، ولكن مقارنتها فقط ضمن مجموعة الدول النامية والبالغ عددها 79 دولة، كما يجب مقارنتها بمجموعة الدول ذات الشريحة الدنيا من الدخول المتوسطة والبالغ عددها 37 دولة".