للأردن تاريخ ممتد في كرم الضيافة وحسن الإيجارة، فأخلاقنا في هذا الأمر ما زالت تكتنفها أصالة البداوة ونخوة العشيرة التي لا تسأل الضيف عن حاجته حتى ينطق بها، وتكرم وتجود دون انتظار جزاء، بل إننا نتغنّى بذلك الموال الشعبي الذي يقول "حِنّا للضيف حِنّا للسيف ويلك يلّي تعادينا يا ويلك ويل"، وكأن الضيافة من مستلزماتها النصرة حتى بالروح والدم. وليس من باب الفخر والمنّة أن نقول أنّ الأردن اعتاد على فتح أبوابه لكل أخوانه العرب في نكباتهم واحتضنهم احتضان الأخ لأخيه، وعلى المستوى الشعبي والجمعيات الأهلية كان هناك مساندة فعّالة وإنسانية للاجئين العرب في كل الأزمات والحروب، بالرغم من أنّ اللجوء كان يكلّف الأردن وشعبه فاتورة عالية في ظل الأزمات الاقتصادية المتنامية، إلاّ أنّ الأردن ما قصّر مرة ولا تنكّر لواجب الأخوة، ممّا جعله قبلة محببة قريبة لكل من عظتهم الحروب وشرّدتهم وأخرجتهم من أوطانهم وأولادهم وأموالهم لا يلون على شيء. ولكثرة ما استقبل الأردن من أخوانه استحق في سالف السنوات أن يوصف ببلد الأنصار، وكم رأينا في أهله في حملات الدعم والتبرع مصداق قوله تعالى "يحبّون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدروهم حاجة ممّا أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة". ولذا فإنّ ما سمعناه من أخبار عن طرد بعض اللاجئين السوريين وسوء معاملتهم وظروفهم الحياتية على أرض الأردن ورميهم في بطن الغول، حيث ينتظرهم القتل المحقق، لمستنكَر أشد الاستنكار وغريب على أخلاق بلد أهل العزم والشهامة الذين تسابقوا لخدمة وإيواء السوريين منذ أن حلّوا كراما مكرمين في الأردن، والسوريون لهم في الفضل آيات وسبق وتاريخ زاخر زاهر في نصرة الأمة العربية بالرجال والعدة والعتاد، والأردنيون خير من يعرف مقامات الرجال ويقرّ بالفضل لأهل الفضل والسبق. نرجو أن يبقى بلد الرباط على عهده، وأن لا يلوّث سيرته وسمعته الطيبة بتصرفات وقرارات فردية لا تعبّر عن هوية الشعب الأردني الذي اقتسم مع أخوانه السوريين المسكن والمأكل والمشرب، رغبة أن تحلّ علينا جميعا رحمة كتلك التي بشّر بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الأشعريين في حديثه إذ قال: "إنّ الأشعريين إذا أرملوا أو قلّ متاعهم جمعوا ما عندهم على صعيد واحد وتقاسموه بالسوية، رحم الله الأشعريين، هم منّي وأنا منهم".
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.