على مشارف شهر رمضان الفضيل لم يفطن وزير الأوقاف غير الشرعي في حكومة فياض محمود الهباش سوى لإصدار أوامر قاطعة إلى أئمة مساجد الضفة تلزمهم بعد السماح لأي داعية أو إمام سابق محسوب على حماس أو حزب التحرير بممارسة نشاط دعوي خلال أيام رمضان داخل مساجد الضفة، ولو حتى بمستوى موعظة بين الصلوات. ولكي يضمن التزام الأئمة الحاليين بأوامره وتنفيذها بحذافيرها فقد حمّلهم مسؤولية أي خرق لها، أي أنه هنا يهددهم بالفصل وقطع الراتب جرياً على ذلك الدأب البشع الذي تنتهجه سلطة فتح في الضفة مع مخالفيها، ويبدو أن وزير أوقافها يعلم في قرارة نفسه بأن الفطرة السليمة لدى معظم الأئمة قد تتغلب في لحظة ما على أوامره المنكرة فتدفعهم (لتطنيشها)، ولذلك لم يجد بداً من تذكيرهم بعواقب إخلالهم بلائحة توصياته غير المباركة في هذا الشهر المبارك!. لن أتكلم هنا عن مستوى التردي الذي وصله حال المساجد في الضفة بعد أن حلّت عليها لعنة الفاسدين والمفسدين في الأرض، ولا كيف عمّت وطمّت مظاهر البعد عن الدين بعد سياسة التغييب الممنهجة لنشاط حماس وعموم الحركة الإسلامية الدعوي والديني، فكل هذه القضايا سبق وتناولناها باستفاضة في مقالات سابقة، ولأنني كذلك لا أحب الوقوف في خانة الندب والبكائيات والتحسّر على الحال، لأن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ولأن إرادة تغيير الواقع المزري لم تعد فعلاً مستحيلاً ونحن نراها تهزّ عروشاً متجذرة في الفساد والقمع والإرهاب. المطلوب هنا وباختصار عدم إدارة الظهر لواقع مساجدنا في الضفة، وعدم التسليم بأحقية حفنة الفاسدين الضالين إياها بأن تفرض عليها وصاية أخفق الاحتلال نفسه في فرضها رغم أن المساجد وأئمتها وروادها كانوا هدفاً له منذ انطلاق الانتفاضة الأولى! ولم يعد المقام مستوعباً أن تخرج أصوات متعللة بالشواهد على صعوبة الحال واستحالة تحدّي منطق الفجور هذا، ولا باستحضار ما يمكن أن يحلّ بأي داعية يقرر كسر الحاجز المفروض حول المساجد، والإصرار على الجهر بكلمة الحق على منابرها، وإعادة الروح إلى رحابها. انظروا فقط إلى مساجد الحواضر العربية الثائرة على عروش الظَّلمَة كيف أنها تموج ثورة وعزّة، وكيف أنها منطلق الرفض والعنفوان، وميدان الحشد وتغذية العزائم بوقود متجدد لا تفنيه كل موجات القمع، بل انظروا كيف استحال على تلك الأنظمة رغم جبروتها وشدة مكرها تحييد المساجد وإلزامها بالنكوص عن مسيرة التغيير والحرية. انظروا إليها وتفكروا في حالكم الذي يهون ألف مرة عن حال أشقائنا العرب، لأن المطلوب هنا ليس خوض معارك دامية ومواجهة الموت، بل إعلان الرفض العلني والشامل لقرارات ظالمة تستهدف جوهر رسالة المساجد، وتعمل على تغييبه عن التأثير الإيجابي في حياة الناس. أما ذلك الوزير المتخبط في إجراءاته البائسة فنودّ تذكيره فقط بأن الله تعالى (ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته)، فلا تحسب أن مناطحتك العبثية بيوت الله ودعاتها الحقيقيين ستضمن تثبيت أركان نهجكم الفاسد، لأن مساجد فلسطين لن تلبث أن تقول كلمتها أيضا، وهي كلمة لا ينتظر منها سوى أن تكون أبلغ وأشدّ وقعاً من كلمة نظيراتها في العواصم العربية، فالظلم والقمع والإفساد سيظل دخيلاً على فلسطين ومنافياً لطبيعة شعبها الذي ألِف الحرية حتى وهو يرزح تحت قيد الاحتلال، وقريباً جداً لن يلبث المفسدون في أرضها أن يكتشفوا أن كلّ ما صنعوه أوهن من بيت العنكبوت، وقابل للتبدّد والذوبان ما بين طرفة عين وانتباهتها. إنهم يرونه بعيداً، ونراه قريباً!
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.