هل سيكون شهر رمضان فاصلاً، أقرب إلى استراحة محاربين في وطننا العربي أم سيضيف مناسبة لمضاعفة الحراك وتصعيد وتائره؟ ففي مصر ثمة توجه لدى المعتصمين في ميدان التحرير لتعليق اعتصامهم خلال رمضان . لكن الساحات العربية التي لا تزال مشتعلة ويتصاعد في فضاءاتها الدخان ليس هناك ما ينبئ عن توقفها. والسبب واضح، هو أن مصر أنجزت الفصل الأول من ثورتها، بينما لم تحسم الصراعات في عواصم أخرى حيث لا يزال الحراك الشعبي يراوح بين مد وجزر، ورمضان في الذاكرة العربية الإسلامية اقترن بحروب كان بعضها حاسماً منذ بواكير هذا التاريخ، وإن كان عصرنا الحديث قد شهد تزامناً بين الصوم عن هزيمة يونيو/ حزيران والافطار الرمضاني عام ،1973 لهذا سيبقى رمضان شأن معظم المناسبات الدينية والدنيوية أيضاً مثاراً للخلاف حول توظيفه سياسياً، خصوصاً لدى أطراف لا تعترف بالبطالة حتى لو كانت سياسية أو عسكرية، في أي زمان أو مكان . وإذا احتكمنا إلى ما يطفو على سطح المشهد السياسي من قرائن، فإن ما سوف يحدث هو استمرار الحراك، لكن بإيقاع آخر وربما بأدوات إضافية، فالشعارات التي رفعت في الميادين والساحات حول العدالة والحرية والمساواة هي من صميم العقيدة وليست من خارج مدارها، وبعد أن تجاوز هذا العام الفريد نصفه الأول، ثمة مواقع حسمت وأخرى لا تزال معلقة، وذلك لفارق قد يكون أساسياً وليس عابراً بين نسيج هذه الدولة أو تلك . فما جرى في مصر وتونس كانت له مقتربات وحيثيات مختلفة عن بقية المواقع، سواء بسبب تكوين الدولة ونسيجها أو لأن النظامين لم يكونا من خلفيات اجتماعية وقبائلية تجعل المعادلة أكثر تعقيداً . ورمضان هذا العام له نكهة مختلفة عن كل ما سبقه خلال عقود ثلاثة على الأقل، فالمسلسلات الدرامية فيه تبث باللحم الحي، والرصاص ليس أصواتاً مصنوعة بمهارات سينمائية أو حيل سمعية وبصرية، وهو إذ يصادف مناخاً ساخناً في أقسى شهور السنة وتستطيل نهاراته يصادف أيضاً حالة من التوتر يعيشها الوطن العربي بأسره فما يحدث في صنعاء أو دمشق أو طرابلس وبنغازي ليس موضعياً. إنه يشتبك بأسئلة الناس وهواجسهم وتوقعاتهم على امتداد وطننا العربي، فالسايكس - بيكوية لم تنجح إلى الحد الذي يشيح العرب بوجوههم عما يحدث لإخوتهم في أي مكان آخر، هذا إضافة إلى أن الأمزجة السياسية التي تسود في فترات معينة لا تقبل الخصخصة القومية على صعيد عاطفي على الأقل، فالعالم كله مشتبك ببعضه بعضاً وما من خطوط طول مستقلة عن خطوط عرض، لكن هذا الاشتباك في وطننا العربي أشد احتداماً وأدعى إلى القلق، لأن هناك شعوراً عاماً لدى العرب جميعاً، بأن عدوى اللا استقرار سريعة الانتقال . وأن ما يخسرونه من دم ومال وبنى تحتية ومنجزات في أي مكان هو في النهاية ووفقاً لحاسوبهم القومي خسارة تعني الجميع، فثقافة العزلة والانخلاع الإرادي من السياق القومي أثبت التاريخ بطلانهاعلى مستويي النظرية والاختبار الميداني وثمة شرارة انطلقت من مكان ما سواء كان جسد البوعزيزي الذي أضاء ليل تونس أو من حجرين كريمين في فلسطين ولم يعد من الممكن لعقارب الساعات أن تعود إلى الوراء . رمضان لن يكون عطلة سياسية، لكنه سوف يضفي إيقاعاته على مجرى الأحداث وعلى الأرجح لن تليق قصيدة المتنبي، التي قال فيها عيد بأية حال عدت يا عيد بالعيد القادم .
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.