شهدت العلاقات المصرية تدهورًا غير مسبوق لم تمر به طيلة أربعة عقود منذ عودة العلاقات بين القاهرة وواشنطن مطلع سبعينات القرن الماضي عاما سواء في عهد الرئيسين الراحل أنور السادات أو المخلوع حسني مبارك، وبلغ التوتر ذروته مع إصدار الكونجرس قرارًا بتعيين مبعوث أمريكي لحماية الأقليات بالشرق الأوسط، وعلى رأسها الأقباط، الأمر الذي قوبل برفض تام من المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير شئون البلاد. إضافة إلى ذلك، أبدت مصر رفضها بشدة الضغوط الأمريكية لإقرار حزمة من المطالب، وفي مقدمتها السير على النمط الاقتصادي الذي كانت تسير عليها الحكومات السابقة، وتفعيل برنامج الخصخصة المثير للجدل والذي صدر قرار بوقف تطبيقه، مع تقليص الدعم المقدم لمحدودي الدخل خصوصًا فيما يتعلق بدعم الوقود والطاقة. وتطالب واشنطن أيضًا بتقليص الدور الخدماتي للقوات المسلحة في مجالات عدة، والتوقف عن تقديم هدايا في مناسبات معينة، وتوسعها في مشروعات الأمن وتوزيع الخبز علي محدودي الدخل، في إطار تقليص دور الدولة في المجال الاقتصادي. في المقابل، طلبت واشنطن من القاهرة التراجع عن قرارها الخاص برفض الحصول على قروض خارجية لعلاج العجز الحاد بالموازنة كما اقترح الدكتور سمير رضوان وزير المالية السابق. ولم تتوقف المطالب الأمريكية من مصر عند هذا الحد، حيث طالبت بإغلاق معبر رفح والتراجع عن قرار فتحه بشكل دائم، وعدم المضي قدما في التحرك لرفع الحصار عن قطاع غزة أو ممارسة ضغوط على الرئيس الفلسطيني محمود عباس لإتمام المصالحة الفلسطينية التي جري توقيعها في القاهرة، وعرضت مقابل ذلك حزمة من المنح مقابل تنفيذ تلك المطالب. وامتدت الضغوط الأمريكية لتشمل محاولة إصدار عفو شامل عن الرئيس السابق حسني مبارك، في حال إدانته في التهم الموجهة إليه بقتل المتظاهرين ونهب المال العام. غير أن المجلس العسكري أبدى رفضه بشكل قاطع لتلك الضغوط سواء خلال اتصالاته المباشرة بالسفارة الأمريكية أو من خلال زيارة موفده إلي واشنطن اللواء محمد العصار عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة. من جانبه، أكد الدكتور عبد الله الأشعل المرشح المحتمل لانتخابات رئاسة الجمهورية لـ "المصريون"، أن واشنطن تضررت بشدة من التطورات السياسية التي شهدتها مصر منذ سقوط النظام السابق، ولم تألو جهدًا في محاولة تعديل بوصلة السياسية المصرية بما يخدم مصالحها ومصالح حليفتها إسرائيل، ولا تزال تتعامل مع مصر كأنها لم تقم فيها ثورة على حليفها النظام السابق. واعتبر الأشعل أن المطالب المقدمة من واشنطن للقاهرة تهدف إلى حصارها اقتصاديا عبر منح وقروض ودعم مالي، حتى لتمكن من محاصرتها وإلزامها بتقديم تنازلات سياسية واقتصادية تضمن استمرار تبعيتها التامة، وكأن المصريين لا يزالون يعيشون في عصر مبارك. غير أنه استبعد نجاح واشنطن في استغلال سلاح المعونات في عملية الضغط على مصر، لإدراكها أن هذا هو ثمن وفاء مصر باتفاقية السلام مع إسرائيل وهو ما لا يمكن معه أن تخاطر بالدفع بالعلاقات مع مصر إلى آفاق من التوتر الذي من شأنه أن يضر بالمصالح الأمريكية. وشدد مساعد وزير الخارجية الأسبق على ضرورة أن تبادر مصر إلى اتخاذ موقف متشدد تجاه واشنطن، وإبلاغها أن قواعد اللعبة قد تغيرت، وضرورة الركون إلى معايير جديدة، معتبرا أن تعيين واشنطن مبعوثا لحماية حقوق الأقليات في مصر يعد تدخلا سافرا في الشئون الداخلية في مصر ويكشف مدي التدهور الذي أصاب علاقات البلدين.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.