بالنسبة لي لم يكن حصول أحمد شفيق على خمسة ملايين صوت انتخابي مفاجأة كبيرة، ربما كنا نتمنى أن لا يحدث ذلك، ولكني كنت أتحدث دائمًا مع الزملاء داخل صحيفة "المصريون" قبل الانتخابات عن أن سقف شفيق يتراوح بين ثلاثة ملايين وأربعة ملايين صوت انتخابي؛ مراعيًا في ذلك الكتلة القبطية وجماعات المصالح المالية المرتبطة بنظام مبارك "الفلول" ودعم المؤسسة الأمنية، ولكن المفاجأة الحقيقية كانت في خسارة المرشح التوافُقي القوي عبد المنعم أبو الفتوح؛ لأن الكتل التصويتية الافتراضية معه كانت كفيلة بدفعه إلى الإعادة بشكل مريح جدًّا، وأقصد بذلك الدعوة السلفية وحزب النور وحزب البناء والتنمية والجماعة الإسلامية وحزب الوسط، إضافة إلى متفرقات يحصل عليها من المنتمين سابقًا لجماعة الإخوان أو الأصوات الليبرالية المعتدلة، والخريطة التصويتية تكشف عن دور قوي بالفعل وجُهد رجولي قامت به الجماعة الإسلامية وحزب البناء والتنمية في الصعيد تحديدًا، بينما اتسم موقف السلفيين في دلتا مصر بالتردد المخيِّب للآمال، والذي يصل إلى حد الخذلان، وسيظل ما حدث في الاسكندرية "عارًا" سياسيًا يلحق الدعوة السلفية، لن يُمحى إلا إذا تم تصحيح الخطأ في جولة الإعادة المنتظرة، وكان الخطأ الذي وقعت فيه الدعوة السلفية سببه الأساس محدودية الخبرة السياسية التي أفرزت "ميوعة" لا تليق في معارك الحسم السياسي ومفارق الطرق التاريخية، فقد اتخذت الدعوة وحزبها قرارًا بدعم أبو الفتوح دفع ثمنها المرشح من انصراف كتل أخرى ليبرالية ويسارية، وكان يفترض أن تقطع الدعوة ورموزها أي حديث بعد ذلك لضمان قوة الاحتشاد وراء مرشحهم، ولكن بدأت تخرج أصوات لقادة ورموز سلفية تتحدث عن "انحيازها" بشكل شخصي لمرشح الإخوان وثقتها به، ولكنها تحترم اختيار الدعوة وحزبها!، وتكرر هذا الكلام من أكثر من رمز مؤثر وقوي؛ الأمر الذي أدى إلى حَيرة وتشتُّت وغياب اليقين عن قواعد الدعوة، فرأت غالبية كبيرة أن الخروج من هذا "المأزِق الضميري" أن لا يذهبوا للتصويت!؛ حتى لا يخالفوا رأي الشيخ من جانب، ولا يعملوا ضد موقف الدعوة من جانب آخر، فكانت النتيجة العملية أن خدمت الدعوة السلفية مرشح الفلول ومنحته التفوق وفرصة تهديد الثورة وتهديد الوطن وتهديد التيار الإسلامي كله بطبيعة الحال؛ لأن الفلول والكنيسة وقفوا موقفًا صلبًا وقويًا وحاسمًا وراء مرشحهم، بينما السلفيون وقفوا الموقف المائع والرخو والخطير معًا، ولم يدرك السلفيون أنهم أمام استحقاق سياسي خطير، فيه رقابهم ورقاب وطنهم بالكامل، وليسوا أمام رأي فقهي فرعي قاله الشيخ في مجلسه العلمي بإحدى الزوايا يمكن تصحيحه أو مناقشته أو مراجعته بعد ذلك!، وكأني بالمرشح "المغدور" عبد المنعم أبو الفتوح يستحضر الآن مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "اللهم إني أشكو إليك جَلَدَ الفاجر وضَعفَ التقي". يدرك السلفيون ويدرك خصومهم أيضًا أنهم إذا رموا بكل ثقلهم في انتخابات فإنهم يُحْدثون الفارق الكبير والحاسم، حدث ذلك في الاستفتاء وحدث في الانتخابات البرلمانية، ويمكنهم بسهولة إحداث الفارق الحاسم في انتخابات الرئاسة الحالية، وقد أعلنت الدعوة أنها ستدعم "محمد مرسي" في الإعادة، والحقيقة ـ بعد درس أبو الفتوح ـ ليس كافيًا أن تعلن دعمها، وإنما أن تعلن بوضوح كافٍ وبكل ما أوتي شيوخها وعلماؤها من قوة أن التخلف عن الإدلاء بالصوت في الإعادة، هو إثم وجريمة شرعًا، كما هي مُجرَّمة قانونًا، وأن مَن يتخلف عن الذهاب للتصويت لمرشح الثورة والتغيير يكون خائنًا لوطنه، وخائنًا لثورته وخائنًا لدعوته، وأن مَن يتكاسل عن الذهاب للتصويت يكون قد تحوَّل ـ عمليًّا ـ إلى عون للجلادين ونصير للصوص ومتستر على الفاسدين وحجَر في جدار الاستبداد والقهر، هذا يوم حقيقٌ بأن تخرج فيه أمة الخير عن بكرة أبيها، برجالهم ونسائهم وشبابهم وشيوخهم وفتياتهم، وأنا على يقين من أن أهل الإخلاص والبصيرة والمروءة في الدعوة السلفية سيكونون عند حُسن ظن وطنهم وأهلهم بهم.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.