ما زلت أؤمن بأن دعوة رئيس السلطة محمود عباس لإطلاق مقاومة سلمية في الضفة لن تلقى آذاناً صاغية حتى لدى أبناء فتح أنفسهم، وهم الذين تشتتت اهتماماتهم الوطنية حتى تلاشت، ثم تبعثر انتماؤهم عشية الحرب بين عباس ودحلان وما نتج عنها، وهم من جهة أخرى لن يستوعبوا أن يتكلم عباس عن مقاومة شعبية ضد الجدار والاستيطان في الوقت الذي تصدر أوامر أمنية صارمة لأجهزته المتواجدة في مناطق التماس بضرورة قمع أي تحرك يقترب من بؤر الاحتكاك مع الاحتلال. ومع ذلك، وبعيداً عن نوايا عباس التي خبرناها ملياً، وبعيداً عن مدى جديته، أرى أن على فصائل المقاومة وأولها حماس أن تلتقط الفرصة وتقول لعباس: نعم، نحن موافقون على إطلاق مقاومة شعبية ضد الاحتلال، لكنها مقاومة ينبغي أن تكون قرب نقاط التماس وليس في مراكز المدن البعيدة عن مرأى جنود الاحتلال، ومقاومة مستمرة لا موسمية، وغير محكومة بتطورات أيلول وما سيجري في الأمم المتحدة. إذ ما دام هناك احتلال ينبغي أن يكون الموقف العام لأي فصيل مقاوم الدفع باتجاه إذكاء المواجهة معه حتى لو كانت بالحجارة (رغم أن المقاومة السلمية في عرف عباس لا تدخل ضمنها الحجارة!)، وما دامت السلطة التي تنسق أمنياً مع المحتل وتجتهد في حماية راحته وأمن مستوطناته قد اكتشفت فجأة أن هناك احتلالا وجداراً ومستوطنات تعطل حلم الدولة فلا بد من وضع نواياها على المحك، أو كما يقول المثل: (لاحق العيّار لباب الدار)! أدرك أن حماس ستكون في مقدمة الركب في حال اندلعت مواجهة حقيقية مع الاحتلال شعبية أو مسلحة، وأدرك قبل ذلك أن ما يطال الحركة اليوم من استهداف هو فقط لأجل صونها لمشروع المقاومة، بدليل أن غالبية العمليات المسلحة التي حدثت خلال سنوات الجدب الأخيرة كانت من تنفيذ حماس، بما فيها تلك التي لم تعلن عنها وكشفتها ملفات المحاكم الإسرائيلية لمنفذيها، ولكن مع ذلك فعليها أن تبادر للاستجابة لتلك الدعوة حتى مع يقينها ويقيننا بأن السلطة أضعف وأعجز من أن تجرؤ على السماح بانتفاضة شعبية فضلاً عن إطلاقها فعلاً، ولكن ليكن لسان حال حماس: إننا سنتعالى على جميع جراحاتنا ونكون معاً في الخندق ذاته حتى لو كانت عدته مقاومة سلمية وحسب ضد الاحتلال. فحين تتدحرج كرة المجابهة لن يكون لأحد قِبل بوقفها أو بإلزامها بعدم التضخم أو الاتجاه إلى خيارات أكثر جدوى في إخضاع الاحتلال كالعمل المسلح، وحين تتسوّد فصائل المقاومة التي تحظى بثقة الشارع المشهد وتكون في موضع الريادة منه ستجد التفافاً واسعاً من الجمهور الفلسطيني، وسيسقط في يد من حاولوا تدجينه وإفساد وعيه، ثم افترضوا أنه ما زال مستعداً للاستجابة لهم إذا ما قرروا المناورة الكلامية باسمه! الشعب الفلسطيني بشكل عام أصبح واعياً أكثر من أي وقت مضى، وهذا يعني أنه لن يسلّم رقبته للمفسدين ليعودوا للمتاجرة باسمه في حال خرج من حالة الجمود الراهنة وقرّر استئناف معركته في سبيل حريته وكرامته، ولذلك فلا خوف عليه وعلى انتفاضته القادمة من أن تسرقها الأيدي العابثة، فقد وعى درس الشعوب العربية جيداً، وأدرك كيف أن الإرادة الشعبية الجامعة قادرة على إسقاط أنصاف الحلول، وكيف أنها ما عادت ترتضي التوقف في منتصف الطريق، أو مداراة العابثين بحقوقه والخضوع لهم أو منحهم فرصة أخيرة! لتنطلق انتفاضة شعبية في ربوع فلسطين سواء بموافقة سلطة الضفة أو بدونها، وليختبر الشعب قوتّه بنفسه هذه المرّة، وليقل كلمته حتى النهاية، فعهد الوصاية على الإرادة قد ولّى، وما كان ممكناً سابقاً من محاولات الالتفاف على خيار المقاومة لن يكون ممكناً غدا!
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.