سواء أصرت فدوى البرغوثي، زوجة عضو مركزية فتح الأسير مروان البرغوثي، على اتهامها لأطراف داخل حركة فتح والسلطة الفلسطينية بمحاولة إفشال الخطوة النضالية للأسرى المضربين عن الطعام داخل السجون، أو تراجعت عن ذلك الموقف نتيجة الضغوطات الهائلة التي تعرضت لها، فإن ذلك بمجمله لا ينفي أبدا وجود انقسامات حادة داخل الحركة بشأن الإضراب.
فمنذ اليوم الأول له، بل حتى قبل بدئه، والتصريحات الفتحاوية متضاربة بخصوصه.. والموقف بقي على حاله رغم دخول الأسرى المضربين وجلهم من حركة فتح شهرهم الثاني فيه، وعلى رأسهم البرغوثي وآخرين.
المعارضون للإضراب من فتح سربوا للإعلام معلومات تشير إلى أن فكرة الإضراب نبعت من البرغوثي وتياره في محاولة لاعادته للواجهة من جديد، لا سيما بعد أن فشلت مساعيهم بتنصيبه نائبا لرئيس حركة فتح بعد المؤتمر السابع للحركة، وبالتالي "خرج الرجل من المولد بلا حمص"، حتى لم يتم إسناد أي مهمة تنظيمية له رغم كونه فاز بعضوية اللجنة المركزية لفتح للمرة الثاني على التوالي.
مكان عباس
ويرى المعارضون عدم حصوله على ما كان يأمل، وجهت ضربة قاصمة لتياره (أبرزهم عيسى قراقع وقدورة فارس) الذي كان يرى في البرغوثي الرئيس المقبل للفلسطينيين خلفا لمحمود عباس، وهو ما كان يظهر من خلال بعض استطلاعات الرأي الداخلية.. ففقدانه لمكانة مرموقة في هيكلية فتح العليا، جعلت الحلم الأكبر له ولهم يتبخر (رئاسة السلطة)، وهذا يعني أنه بات في أدراج النسيان، وسيمكث سنوات طويلة في السجون الإسرائيلية لا يعلم مداها إلا الله.
ما الحل إذن؟؟
الحل أن يعود الرجل للواجهة من جديد، وإظهاره بموقف البطل.. وهذا لن يكون إلا من خلال استثمار مشاعر الناس والضرب على الوتر الحساس، إلا وهو ملف الأسرى.. وهو ما كان.
المعارضون للبرغوثي والإضراب يطرحون أسئلة كثيرة يعززون بها موقفهم.. أين كان الرجل طيلة سنوات اعتقاله التي ناهزت 15 عاما (اعتقل في نيسان 2002)؟ والمقصود هو موقفه من الإضرابات التي لم يكن يدعمها أو يشارك بها. وأشهرها إضراب 2004 و2012، وأبرزها إضراب عام 2014.. فهم يكشفون أنه كان رافضا لتلك الخطوات، بل وعاملا مساعدا على إفشالها.. إلى الحد الذي كان به يتنقل بين السجون ويدعو لفك الإضراب، بل وتهديد المضربين من فتح حال أصروا على ذلك. ومن عاش معه في السنوات الماضية يعلم تماما دقة هذه المعلومات. فما الذي استجد الآن؟؟
سؤال آخر، إذا كانت فتح وراء الإضراب الحالي، فأين قياداتها الأخرى غير البرغوثي!!.. المعلومات تقول إن 60% على الأقل من المعتقلين في سجون الاحتلال يتبعون لحركة فتح. وهناك أسماء لامعة لم يأتِ أحد على ذكرها منذ أكثر من شهر، ولا يعرف موقفها من الإضراب.
بل إن الأسماء التي ذكرت هي من أشد المعارضين للخطوة. أبرزهم جمال رجوب (المعروف بعدائه المطلق لحماس ويعد من أشهر من أفشل إضراب عام 2014، ويتحكم بسجون الجنوب بأكملها، وهو من المقربين جدا من عضو مركزية فتح جبريل الرجوب).. وكذلك الأسير باسل البزرة من نابلس، وهو من قادة كتائب شهداء الأقصى وعلى تواصل دائم مع عضو مركزية فتح ونائب رئيسها محمود العالول، والقائمة تطول.
الفكرة الثالثة التي يطرحها معارضو الإضراب، تتمحور حول موقف الفصائل الأخرى من الإضراب، ورفضهم أو ترددهم بالانضمام إليه، وتحديداً أسرى حماس والجهاد والشعبية.
يقولون إن أولئك يدركون الأسباب الحقيقية خلف الإضراب، وأنه لا يعدو مجرد تصفية حسابات بين قيادات فتح في السجون وخارجها، لذلك ابتعدوا عن الدخول في هذه المعركة الخاسرة أصلا.. وما انضمام بعضهم إليه إلا تضامنا مع زملائهم في السجن لعدة أيام، ما لبثوا أن فكوا الإضراب لاحقا.
للشارع كلمته
شاء أولئك المعارضون أم أبوا، إلا أن الإضراب استمر، والتفاعل الشعبي معه تطور بشكل لافت خلال الأسبوع الأخير. وخرج المواطنون من خيام التضامن وسط المدن إلى مواقع الاحتكاك مع الجيش الإسرائيلي والمستوطنين.. رغم كل محاولات الأجهزة الأمنية الفلسطينية إبقاء الحراك التضامني شكلي دون أي قيمة له.. ولاحقا بات معلوما للقاصي والداني أن الأجهزة الأمنية وفتح الرسمية تعارضان الإضراب وتعملان على إفشاله بشتى السبل.
هذا ما دفع بلجنة أهالي الأسرى المضربين عن الطعام في محافظة نابلس -التي تقودها القيادية في حركة فتح نغم الخياط، وهي زوجة الأسير الفتحاوي المضرب عن الطعام ياسر أبو بكر- لتنظيم مؤتمر صحفي بعد مرور ثلاثة أسابيع على الإضراب هددت فيه بنقل خيام التضامن مع أبنائهم إلى مقرات السلطة الفلسطينية وأصحاب القرار مع دخول الأسرى المضربين مرحلة الخطر الشديد.
وقالت الخياط -حينها- إن "على حركة فتح ولجنتها المركزية أن يكون لها موقف واضح ومعلن من الإضراب الذي يقوده عضو المركزية الأسير مروان البرغوثي"، منتقدة عدم صدور أي بيان يدحض محاولات الاحتلال تشويهه، خاصة أن المؤتمر جاء بعد يومين فقط من نشر الاحتلال لمقاطع فيديو نظهر البرغوثي وهو يأكل في زنزانته.
وطالبت جميع شرائح المجتمع بالنفير العام، كما دعت القيادة لتحمل مسؤولياتها، ومنظمة التحرير والسفارات الفلسطينية لإعطاء الإضراب أولوية قصوى ووضع حكومات العالم أمام مسؤولياتهم.
إسفاف مكشوف
أزعج المؤتمر حركة فتح تحديدا، ولاقى ردود أفعال غاضبة، ما دفع بالحركة للتظاهر وكأنها داعمة للإضراب من خلال الدعوة للتوجه لنقاط الاحتكاك مع الاحتلال، وقطع الطريق على سيارات المستوطنين. وبالفعل خرجت صور لقيادات في المجلس الثوري وهم منبطحون على بعض الشوارع رافضين مرور سيارات المستوطنين عليها.. لكنها فعاليات نالت نصيبها من الانتقاد، فقد بدت مبتذلة جدا، وأظهرت فتح بموقف لا تحسد عليه أمام الأعداد المتزايدة من الغاضبين من دورها تجاه دعم الإضراب.
موقف فدوى
حتى جاءت الضربة القاضية، هذه المرة على لسان زوجة الأسير البرغوثي، التي قالت في مقابلة صحفية لها مع صحيفة "الخليج أون لاين"، إنها علمت بتحرّكات سياسية لإجهاض الإضراب على شكل مفاوضات سرّية بين الاحتلال وشخصيات في حركة فتح والسلطة.. وهذا ما أكده موقع "واللا" العبري بأن اجتماعات عدة عقدت بين قيادات سياسية وعسكرية إسرائيلية وأخرى فلسطينية أبرزهم رئيس جهاز المخابرات ماجد فرج ورئيس جهاد الأمن الوقائي زياد هب الريح، كما دخل على الخط وزير الشئون المدنية الفلسطينية حسين الشيخ.
بيان مشبوه
خلاف آخر داخل فتح حول الإضراب ظهر جليا في نشر الضابط في أمن السلطة زاهر أبو حسين -الذي يحاول أن يظهر وكأنه رجل إعلام- بيانا على صفحته على الفيسبوك منسوب للهيئة التنظيمية في سجن نفحة الصحراوي يدافع عن موقف فتح من الإضراب ويطالب بعدم إغلاق الشوارع بحجة أن "شعبنا يكفيه ما يعانيه من قهر على حواجز الاحتلال" ..
ويحذر البيان -الذي هوجم من الناشطين بشكل غير مسبوق- ممن "يريد أن يحرف البوصلة لغير مكانها الطبيعي، ألا وهو الاحتلال.. وتوجهاته بالنسبة لنا مشبوهة، ويجب الحذر في التعامل معه وعدم إثارة الفوضى وكل مظاهر الفلتان الأمني"، داعيا "للحفاظ على مشروعنا الوطني ومؤسساته بأجهزته الأمنية الباسلة.
وعلى الفور، أصدرت الهيئة التنظيمية في سجن نفحة الصحراوي بيانا -حقيقيا هذه المرة- أكدت فيه أنها لم تصدر أي موقف يتعلق بالحراك والتضامن مع المضربين عن الطعام، مشددة على استنكارها للبيان المشبوه الذي تم نشره ويحمل توقيعها
كما أهابت اللجنة الإعلامية للإضراب بكافة وسائل الإعلام والصحفيين والنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، عدم اعتماد أو نشر أو التعاطي مع أي بيان يصدر باسم الحركة الأسيرة أو الأسرى المضربين عن الطعام، إن لم يصدر عن اللجنة الإعلامية المنبثقة عن هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير، أو أية جهة أخرى واضحة ومعروفة تمثل الفصائل الوطنية والإسلامية.
وأكدت اللجنة، أن أي بيان لم يصدر عنها أو عن جهات واضحة تمثل الفصائل بشأن قضية الإضراب، فهو حتما لا يمثلها ولا يمثل الحركة الأسيرة، محذرة من تداول أية بيانات غير واضحة المصدر، خاصة مع وصول إضراب الأسرى إلى مرحلة حساسة ودقيقة.
وبهذا يظهر جليا الانقسام الحاد داخل حركة فتح بشأن الإضراب، لكن الأهم أنه يعري قيادات تلك الحركة الذي رهنوا أنفسهم للعدو، وساروا في درب التنازلات وخلعوا عن أنفسهم صفة الوطنية.. وبغض النظر عن حقيقة الاضراب وتوظيف مروان البرغوثي له ليعود للظهور، إلا أن الشارع الفلسطيني تحرك وبقوة لنصرة معركة الأمعاء الخاوية، معلنها مدوية أنه صاحب الكلمة الأولى والأخيرة، وأن السلطة وتنسيقها الأمني ومشروعها الانبطاحي بات خلف ظهره إلى غير رجعة.