في وقت ازدهرت فيه مؤخرا السياحة الداخلية، إذ بات الفلسطينيون يرتادون المواقع الطبيعية والأثرية بالضفة الغربية ويكتشفون الجبال والأودية والسهول، جاءت فكرة "رحلات الحمير"، التي ابتكرها ونفذها مجموعة من الشبان من مدينة نابلس وقرية سبسطية إلى الشمال الغربي منها.
فإذا كنت لا تملك سيارة، ولا تستطيع السير لمسافة تربو على 20 كيلو مترا، فالأمر جد بسيط.. ما عليك سوى أن ترتب مع أحد القائمين على الموضوع وتحجز حمارا لتمتطيه وتستمع بالمناظر الخلابة في الريف الفلسطيني.
مراسل "فلسطين الآن" تحدث إلى ثلاثة من أصحاب المشروع، وهم الإعلامي أحمد البظ، والمهندس رؤوف حواري وطالب الطب البيطري يزن كايد..
ويشيرون إلى أن الأمر جاء بمحض الصدفة، "فخلال نقاش بينهم حول مشروع يدر عليهم بعض المال ليساعدهم في حياتهم اليومية ودراستهم الجامعية، اقترح أحدهم تنظيم جولات سياحية على الحمير، مستفيدين من كون غالبيتهم يعيش في القرية، وبالتالي فلا مكان للاستغراب في ظل وجود حمير بكثافة لدى المزارعين".
هنا، بدأ دور طلبة الطب البيطري، الذين عاينوا مجموعة من الحمير وابتاعوا بعضها ووفروا لها مكانا جيدا للمبيت وطعاما، واختبروا قدرتها على التحمل والسفر ونقل الزوار..
المبلغ الذي دُفع في البداية لم يكن كبيرا، فسعر الحمار يتراوح ما بين 250- 300 دولار، واستفادوا من خبرة الصديق الإعلامي الذي التقط بعض الصور المميزة وأسسوا صفحة على الفيسبوك، وكان الإعلان يشير إلى أن تكلفة الشخص الواحد 75 شيكلا فقط، تشمل نقله من نابلس لسبسطية ذهايا وإيابا مع وجبة فطور خالية من منتجات الاحتلال.. تشمل قلاية البندورة، واللبنة، والزيت والزعتر، وخبز الطابون، والقهوة العربية.
فكرة ناجحة
يقول حواري: "إن الفريق يعشق التجوال ولديه خبرة جيدة بالأماكن الطبيعية والأثرية، وقد بحث عن فكرة تجذب الناس أكثر من غيرها، حتى اهتدوا لـ"جولات الحمير"، التي لاقت في بدايتها صعوبة من البعض لتقبلها، ولكن مع كل أسبوع كانت علامات الرضى والقبول بادية على وجوه المشاركين الذين كانوا يشجعون غيرهم للقيام بالتجربة".
الجولات الأولى اقتصرت على الشبان والشابات بشكل فردي أو جماعي ضيق، ثم انتشرت الفكرة لتشمل المجموعات الطلابية والمؤسسات، ومؤخرا باتت عائلات تطلب حجز مكان لها مع أطفالها.
وتنظم الجولات يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع، لكن ذلك لا يمنع تنظيم جولات خاصة في بقية أيام الأسبوع، وفق الحاجة والحجز والأحوال الجوية.
مسار الجولة يبدأ من سبسطية، ويتجه نحو منطقة المسعودية، حيث محطة قطار الحجاز العثمانية، وهي منطقة حرجية جميلة، ومن هناك إلى السهل المجاور، ومنه إلى المنطقة الأثرية.
وفي منتصف الجولة تأتي استراحة الإفطار، إذ يشترك السياح بإعداد الطعام بأنفسهم، وتجهيز قلاية بندورة على الحطب.
توعية وترفيه
فريق الجولات يقسم العمل فيما بينه، ففي الوقت الذي يتولى أحدهم قيادة الزوار وتحديد المسار، ينشغل آخر بتقديم شرح تفصيلي عن المواقع التي يمرون بها، فيما يلتقط ثالث الصور للرحلة.. وخلال الاستراحة يقدمون الطعام والماء للحمير ويخففوا عنها حملها، حتى تستطيع مواصلة الطريق.
يقول كايد: "إن هذه الجولات تهدف لتعزيز ثقافة المقاطعة من خلال منع استخدام المنتجات الإسرائيلية، وثقافة المحافظة على البيئة من خلال تنظيف وإزالة مخلفات الطعام، وثقافة الرفق بالحيوان من خلال إرشاد المشاركين للتعامل بلطف مع الحمار".
كما تسعى لتعزيز السياحة الداخلية في منطقة تشتد فيها الحاجة لتعزيز التواجد الفلسطيني.
ومع النجاحات المتتالية، ازداد عدد الحمير من 6 إلى 16 حمارا، لتلبية الحجوزات المتزايدة من المواطنين، الذين يشيدون بالفكرة ويشجعون رفاقهم وأقاربهم على تجربتها.
رحلة من العمر
تقول سلمى عبد الجليل من نابلس إنها: "لم تكن تتوقع يوما أن تركب حمارا، بل وتسير فوقه لمسافة طويلة. لكنها كانت رحلة من العمر، وقد فرحت جدا بها".
وتتابع "كنّا نخطط مع زملائي في العمل لرحلة داخلية، وبحثنا على الفيسبوك عن مواقع جديدة، حتى لفت نظرنا إعلان "رحلات الحمير"، فأحببنا أن نجربها، ولم نندم".
أما أحمد يوسف من جنين، فيقول: "كانت مفاجأة سارة عندما نسق أصدقاء لرحلة جماعية كهدية بيوم ميلادي، لكنهم لم يبلغوني عن وجهتها ولا مضمونها.. وصلنا لسبسطية وحتى وقتها لم أكن أعرف مسار الجولة، حتى حضر شبان من عمري ومع كل واحد منهم حمارا يجره بيده، حينها أبلغني أصدقائي أن الجولة ستكون على الحمير".
ويضيف "صحيح أنني من قرية، لكن لم يسبق لي أن ركبت حمارا، كان هناك واحد عند جدي وانتقل لأبي وكانا يستخدمانه في جمع الحطب ونقل المتاع من بيتنا لأرضنا الزراعية، لكن لم يخطر في بالي أن أمتطيه".
ويدعو يوسف المواطنين للاشتراك بتلك الجولات، مؤكدا أنهم لن يندموا مطلقا على ذلك.
وتعتبر سبسطيّة من أهمّ البلدات الأثريّة في مدينة نابلس وأكبر موقع أثريّ في فلسطين، ويعود تاريخها إلى 3 آلاف عام، وتوجد فيها آثار رومانيّة قديمة. ونظراً لأهميّتها التاريخيّة والأثريّة، تقع داخل حدود المنطقة (C) الخاضعة إداريّاً وأمنيّاً لسيطرة "إسرائيل"، بموجب إتّفاق إعلان المبادئ الفلسطينيّة- الإسرائيليّة في عام 1993 (أوسلو).