قلنا في مقال سابق إن مجزرة الحولة ستكون نقطة تحول للأوضاع في سوريا ، كان طرد السفراء من دول الاتحاد الأوروبي ، وأمريكيا ، واليابان ، واستراليا هو بداية لهذه التحولات على المستوى السياسي ، وثمة تحول آخر في غاية الأهمية على المستوى القانوني ، حيث اتهم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة النظام بارتكاب (جرائم ضد الإنسانية)، وأنه لا بد من تشكيل لجنة تحقيق . وصف مندوب سوريا للقرار بأنه حاقد لا يقدم ولا يؤخر ، فالمجتمع الدولي يسير قدما نحو إدانة نظام الأسد وإسقاطه ، فثمة مسؤولية أخلاقية ضمنية بين أنظمة الحكم الديمقراطية وشعوبها، توجب على الأنظمة إبداء موقف مسئول اتجاه الجرائم ضد الإنسانية التي يمكن أن تقع في العالم ، ولا تستطيع هذه الأنظمة الوقوف موقف المتفرج . كوفي عنان يؤكد على شعوره بالإحباط لعدم تطبيق النظام لمبادرته، واستمراره في عملية القتل ، وقصف المدن والتجمعات السكانية ، وأحسب أن عنان يتجه نحو الإعلان عن فشل مبادرته ، الأمر الذي يعيد الملف إلى مجلس الأمن ، والنظر في مشروع جديد تحت سقف الفصل السابع من الميثاق. إنك إذا تركت الإطار الخارجي ، ودخلت الإطار الداخلي حيث الميدان وحركته في محافظات سورية كافة تجد أن سقف الضحايا اليومي عاد إلى الارتفاع بحيث تقرب الخسائر اليومية إلى مائة شهيد عدا الجرحى والمعوقين ، ومن المؤسف أن الميدان يحكي قتل بعض الأسر بكاملها، وقتل أطفال ونساء ذبحا بالسلاح الأبيض ، أو بالرصاص من مسافة قريبة، وتفيد مصادر إعلامية أن جل هذه الأعمال تقوم بها جماعة الشبيحة التي تتكون من شباب الطائفة العلوية المدافعة عن النظام. إن مظاهر الميدان في دمشق ، وحلب ، وحمص ، وحماة ، وغيرها تشير إلى قرب تحول الأزمة إلى حرب أهلية ذات أبعاد طائفية ، حيث أصبح المناخ مهيئاً لهذا المشئوم القادم، الذي يعني تزايد أعداد القتلى ، ويعني انتهاء مفهوم الدولة ، ومفهوم السلم الاجتماعي، وتقبل سوريا لكل المؤثرات الداخلية والخارجية المثيرة للأحقاد والقتل والإقصاء . سورية تتجه نحو الحرب الأهلية بإرادة داخلية من ناحية ، وبإرادة خارجية من ناحية أخرى ، ولعل ما حدث من حرب أهلية في لبنان سيكون صغيراً لما سيقع في سوريا من حرب أهلية لأسباب كثيرة ليس هنا مجال تفصيلها. عنان محبط ، وهيلاري تخوف من حرب أهلية ، ومجلس حقوق الإنسان يسمي الحولة بجرائم ضد الإنسانية ، ويصدر قرار تحقيق لا يرحب به النظام السوري ، وسوريا محاصرة سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً، والميدان يجدد نفسه يومياً لإنجاح ثورته التي تسعى لإسقاط النظام. الحرب الأهلية مشروع خطير، قد لا يقف عند حدود القطر السوري ، ذلك أن الأقطار المجاورة لسوريا تعاني من هشاشة بينية وبنيوية، وهذا واضح في لبنان الذي يقف على كف عفريت ولا يحتاج أكثر من عود كبريت ، وواضح أيضاً في العراق ، حيث يتزايد الصراع الطائفي يوماً بعد يوم ، وحيث يتوفر السلاح في الأقطار المذكورة بكميات كافية لإحراق مجتمعات السلم والسلام الاجتماعي ، لا أحد يستطيع وقف الحرب الأهلية غير النظام نفسه ، والالتزام بتنفيذ مبادرة عنان بدقة ومسئولية
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.