منذ احتلال الضفة الغربية عام سبعة وستين، توقفت أعمال تسوية الأراضي الواقعة ضمن حدود بلدية نابلس.
ومع مرور السنين ظهرت خلافات بين المواطنين، وصلت إلى أزقة المحاكم، وكادت تهدد السلم الأهلي، بسبب المنازعات على حصص الأراضي، حتى بين العائلة الواحدة.
المنازعات على مساحة وموقع بعض الأراضي تسببت بحوادث قتل، كما جرى قبل عامين في منطقة تعرف بـ"لحف الشامي"، بين مدينة نابلس وبلدة تل إلى الغرب منها، إذ أدى عدم وضوح حقوق المواطنين وموقع وملكية بعض الأراضي إلى شجار نتج عنه مقتل أحد الأشخاص.
حفظ الحقوق والسلم الأهلي
يقول رئيس بلدية نابلس المهندس عدلي يعيش "من أجل وضع حد لتلك الحوادث، جاء الاتفاق بين بلدية نابلس وهيئة تسوية الأراضي عملية استكمال تسوية الأحواض وتسجيلها في دائرة الطابو".
ويضيف في حديث لـ"فلسطين الآن" إن "هذا الإجراء من شانه تثبيت حق المواطنين في ملكية الاراضي والشقق التي لم تشملها أعمال التسوية، وحل كافة النزاعات العالقة بينهم".
ويوضح رئيس البلدية أن إيجاد الحماية القانونية لملكية هذه الأراضي عن طريق تسجيلها في الدوائر المختصة واجب وطني على كل مواطن ومسؤول وفيه مصلحة اقتصادية للفرد والمجتمع.
ويعقب يعيش "هذا المشروع يعد إنجاز وطني بامتياز لما له من أهمية في تسجيل كافة الأراضي التي لم تشملها التسوية الأردنية.. هذا الأمر سيؤدي بالنتيجة إلی تثبيت حق المواطنين في ملكية الأراضي والشقق التي لم تشملها أعمال التسوية، وحل كافة النزاعات العالقة بين المواطنين، ما يسهم في تعزيز السلم الأهلي بين أبناء المدينة، والقرى والبلدات المجاورة".
وأضاف "تدرك البلدية أهمية هذه الخطوة، فدخلنا فور تسلمنا للمجلس البلدي في مفاوضات مباشرة مع هيئة تسوية الأراضي، نتج عنها توقيع اتفاقية تعاون مع هيئة تسوية الأراضي بهدف البدء بأعمال تسوية لتلك الواقعة ضمن حدود بلدية نابلس".
الخطوة تشمل تسجيل الأراضي بأسماء مالكيها وبيان حدودها ومساحتها حتى يصبح التصرف بها فقط من خلال هذه الدوائر كما نص عليه القانون.
وأكد أن جزءا من الأحواض التي سيتم تسويتها تقع في المنطقة المصنفة (C)، ما يعني أنها ستكون محمية من التزوير والتسريب للاحتلال.
أحواض نابلس
ويزيد شارحا الحال "في نابلس 79 حوضا، تبدأ من الحوض الأول رقمه 24001، وتنتهي بالحوض 24079.. وعملية التسوية ستكون للأحواض من 24001 حتى 24052، لأن بقية الأحواض خضعت قبل عام 1967 لعملية تسوية وجرى تسجيلها في دوائر الطابو.
ويضيف "المسح الميداني لكافة الأحواض غير المشمولة بالتسوية من شأنه أن يسهم في توفير بيئة استثمارية، من خلال توفير الأراضي المسجلة رسميا وحسب الأصول، ويمنحها سعرا عادلا".
أصحاب الأراضي والشقق وبموجب الاتفاقية التبادلية، تلتزم هيئة تسوية الأراضي بجميع الخطوات القانونية والإجرائية المطلوبة في منطقة نابلس، بينما تلتزم بلدية نابلس بتأمين وتوفير كافة الموارد البشرية والفنية والمادية واللوجيستية طيلة مراحل التسوية، بما في ذلك حملات التوعية والتثقيف المطلوبة.
وعلى ذلك يعلق مدير عام التسوية عبد الله الديك قائلا "المشروع سيكون له ردود إيجابية على المجتمع ويدفع تجاه إنهاء معظم القضايا العالقة في المحاكم.. فمشاكل الأراضي والحصص والملكية تعد من أبرز القضايا التي يجري تداولها وتستنزف وقتا وجهدا كبيرا".
ويشير إلى أن العملية ستبدأ في أراضي قرية صرة غرب نابلس، ومنها إلى مناطق رفيديا والجبل الشمالي.. وسيستفيد منها أصحاب الأراضي والقطع غير المشمولة بالتسوية، وكذلك كل من أشترى شقة في بناية سكنية، إذ سيتم تسجيلها في دائرة الطابو، وتصبح حقا خالصا له، ولا يمكن الطعن بالأوراق الرسمية حينها.
الخطوة القانونية
ووفقا للقوانين سارية المفعول في الضفة الغربية، يتم تسجيل الأراضي التي لم يسبق تسجيلها في دوائر تسجيل الأراضي المختصة (الطابو) وفق أحكام قانون تسوية الأراضي والمياه رقم 40 لسنة 1952 وتعديلاته.
هذه الطريقة بدأت بها الحكومة الأردنية في العام 1956 وتم تسجيل ما نسبته 30% من أراضي الضفة الغربية.
وكان لمنطقة جنين النصيب الأكبر منها، إذ بلغت نسبة الأراضي المسجلة نتيجة أعمال التسوية حوالي 90%.
ويصدر مدير الأراضي والمساحة أمرا يسمى (أمر التسوية) بإعلان منطقة معينة بأنه سيتم فيها أعمال التسوية تسمى هذه المنطقة (منطقة التسوية) ويتم تحديد تاريخ البدء بأعمال التسوية بإعلان لاحق. وفور تحديد التاريخ ينشر هذا الأمر في الجريدة الرسمية ويبلغ به أهالي منطقة التسوية عن طريق تعليقه بمكان بارز في المنطقة ويسمى إعلان التسوية.
وبعد ذلك يبدأ أهالي المنطقة بتقديم ادعاءاتهم للمدير أو من يفوضه بذلك حول ملكيتهم لأي جزء من الأراضي المشمولة بأعمال التسوية، وينظم جدولا بذلك (يسمى جدول الادعاءات).
وبعد أن يتم التحقق من الادعاءات يتم تنظيم جدول (يسمى جدول الحقوق)، ويعلق هذا الجدول في دائرة التسجيل ومكان بارز في منطقة التسوية.
ويجوز لأي شخص له حق اغفل بيانه في جدول الحقوق أن يتقدم باعتراض إلى المدير مباشرة أو بوساطة مأمور التسجيل خلال 30 يوما من تعليق جدول الحقوق. ثم تقوم محكمة التسوية بسماع الاعتراض والبت فيه.
وبعد البت في الاعتراضات يصدر المدير جدول الحقوق النهائي ويتم تصديقه من قاضي التسوية. ويرسل جدول الحقوق النهائي إلى المدير الذي ينظم جدولا يسمى جدول التسجيل. وبعد ذلك يرسل جدول التسجيل إلى دائرة التسجيل المختصة التي تقوم بتنظيم سجل جديد للمنطقة، وتصدر سندات تسجيل لأصحابها بعد استيفاء الرسوم والمصاريف.
حماية الأرض
وللأراضي أهمية خاصة في فلسطين، فهي أساس الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، حيث دأب اليهود ومنذ قدومهم إلى فلسطين إلى تطبيق سياسة الأمر الواقع، ووضع اليد على الأراضي ونزع ملكيتها من أصحابها بغية التوطين وإرساء ركيزة أساسية لبقائهم في فلسطين تتمثل في ملكية الأراضي.
ويعتبر الوضع القانوني لمعظم أراضي الضفة الغربية كونها غير مسجلة رسميا في الدوائر المختصة (دوائر تسجيل الأراضي أو ما يعرف بالطابو) داعما أساسيا للحركة الصهيونية في تحقيق أهدافها وهيأ لها المناخ الملائم للاستمرار في تطبيق سياسة وضع اليد على الأراضي وإنشاء المستوطنات والمعسكرات وتوسيعها.
وعمل الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية على إبقاء هذا الوضع كما هو عليه أي دون تسجيل، لأهمية ذلك في استكمال مشروع استملاك الأراضي.
فقد أصدر الحاكم العسكري للضفة الغربية عام 1968 الأمر العسكري رقم 291 والذي بموجبه تم تعطيل أعمال التسوية التي شرعت بها الحكومة الأردنية لتسجيل أراضي الضفة الغربية عام 1956، فقد بلغت نسبة الأراضي المسجلة في الضفة الغربية منذ إعلان التسوية من الحكومة الأردنية وحتى تعطيلها بموجب الأمر العسكري المذكور 30% فقط، أي أن حوالي 70% من أراضي الضفة الغربية لا زالت حتى الآن دون حماية قانونية.