لم تعد المجازر الدموية وحدها ما يعانيه الشعب الفلسطيني، فقد باتت أشكال المجازر متعددة كما يتعدد مرتكبوها، وأكثرها قسوة تلك التي يرتكبها من سمي زوراً "فلسطينيين"، فبعد أيام قليلة على مجزرة قطع رواتب الأسرى والأسرى المحررين من سجون الاحتلال، تعود السلطة بمجزرة جديدة تستهدف هذه المرة عددا كبيرا من المواقع الإخبارية الفلسطينية.
وكان النائب العام في رام الله محمد براك قرر قبل أسبوعين، حجب عدة مواقع الكترونية إخبارية غالبيتها من قطاع غزة، ومقربة من حركة حماس، وأخرى من القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان.
ردة فعل
المحلل السياسي هشام الشرباتي ذكر لمراسلة "فلسطين الآن"، أن قرار الحجب جاء كردة فعل من رئيس السلطة محمود عباس على التسريبات التي تحدثت عن قرب اتفاق بين حماس ودحلان، فالرئيس عباس يريد أن يرسل رسالة لكل من حماس ودحلان أنني لن أقف مكتوف اليدين إزاء هذا الاتفاق إن تم. وسيكون بعده خطوات أخرى. فهذه الخطوة تعد تحذيرية وتهديدية من قبل عباس لحماس ودحلان إن ما تم الاتفاق بينهما على إدارة غزة.
من جهته، اعتبر الكاتب الفلسطيني ياسين عز الدين في حديث لمراسلتنا "أن قرار الحجب تساوق مع إجراءات مماثلة قامت بها السعودية والإمارات وقطر، وهي تقليد لهم أكثر مما هي حاجة حقيقية للسلطة من أجل الحجب. ورغم أن الحجب أدى لأضرار أصابت المواقع المحجوبة إلا أن صوتها يصل للمواطن كما أن طرق الالتفاف عليها سهلة نسبيًا، ويبدو أن درجة التزام الشركات بالحجب متفاوتة".
وأضاف عز الدين: "هنالك رفض تام شعبي وفصائلي لهذه الخطوة وفي حال تصاعد هذا الرفض فسينهار القرار ووقتها تكون الأمور ارتدت عكسيًا على السلطة. والسلطة كثرت أخطاؤها في الفترة الأخيرة مما قد يجعلها تدفع ثمن ذلك خاصة أنها كشفت أوراقها وحرقت نفسها مع خطواتها التصعيدية ضد غزة".
وأردف عز الدين: "أنه الهدف الرئيسي لقرار الحجب ليس منع الناس من الوصول للمواقع بقدر ما هو إخافتهم من التعامل مع هذه المواقع، لأن الكثير سيخشى من قراءتها حتى لو رفع الحجب لأنها صنفت على ولائها لحماس، كما سيخشوا عمل مقابلات معها أو العمل معها. لكن قدرتها على إنجاز هذه الأهداف مرهون بتفاعل الشارع مع القرار فإن لم يكن صوت الرفض عاليًا وقويًا فستحقق السلطة ما تصبو إليه، وإن انهار قرار الحجب فوقتها تكون النتيجة عكسية".
"قرار تعسفي"
ويؤكد الحقوقي فريد الاطرش، مدير مكتب الجنوب للهيئة المستقلة لحقوق الانسان، أن قرار حجب المواقع الالكترونية هو قرار تعسفي مخالف للقانون الأساسي الفلسطيني، ويشكل انتهاكاً لحرية الرأي والتعبير والعمل الصحفي، ومخالف للعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي انضمت له دولة فلسطين.
وفي مقال نشرته الكاتبة الفلسطينية لمى خاطر، ذكرت أن السلطة بهذا الفعل تعلن التزامها بإملاءات الإدارة الأمريكية حول مكافحة (الإرهاب) ووقف التحريض على مقاومة الاحتلال، وتؤكد أن المقاومة لا تمثّلها، ولا تتقاطع معها أخلاقياً ووطنياً وإنسانيا.
عبثية القرار
وتتساءل خاطر عما إذا كانت السلطة الفلسطينية قد درست جدوى قراراها، لأن عصر التقنية العالية والمتطورة بوتيرة متسارعة لم يعد يجدي معه هذا التهريج الإلكتروني، ولأن عصر الانعتاق الشعوري من سطوة القمع يجعل للكلمة الممنوعة سحراً وبريقا، ويغري بتعقبها والبحث عنها، فكيف والظفر بها بات يسيراً ولا يلزمه سوى اعتماد إعدادات تكنولوجية يسيرة ومتاحة لتجاوز الحجب وإلغاء الحظر.
وتضيف خاطر: "إن ضآلة مردود هذه الخطوة يؤكدها طغيان سلطان الإعلام الاجتماعي، فغالبية رواد الإنترنت من فلسطينيين وعرب لا يستقون المعلومة من مواقع إخبارية تقليدية، بل مما توفره منصات الإعلام الجديد، وهذه من الصعب حظرها، فضلاً عن كونها حافلة بسيولة معلوماتية متحررة من كل مقصّات الرقيب، وتُعرض بأشكال وقوالب ذكية وجذابة تحقق تأثر الجمهور بها وتفاعله معها".
وتؤكد خاطر في نهاية مقالها على ان عبثية قرارات حجب المواقع ينبغي ألا تصرف النظر عن كونها جريمة بحق حرية الرأي والتعبير، وعما يعنيه ذلك من أن هناك توجهاً لانتهاج قمع معلن ودونما حاجة لتبريره.
استمرار الحجب
بدوره، أدان منتدى الإعلاميين الفلسطينيين استمرار السلطة الفلسطينية بحجب المواقع الإخبارية، بقرار غير معلن من النائب العام في الضفة الغربية المحتلة، بالتوازي مع حجب رواتب عشرات الصحفيين وتجميد أرصدتهم.
وقال المنتدى في بيان الأربعاء إنه بعد قرار الحجب الأول الذي بدأ تنفيذه مساء الاثنين 12-6-2017، وطال نحو 13 موقعًا إخباريًّا، استمرت سياسة الحجب لتطال المزيد من المواقع الإخبارية التي تنوعت في توجهاتها السياسية وتوحدت في تبنيها سياسة مخالفة للتوجهات السياسية للسلطة بالضفة؟
واعتبر أن هذا يدلل على أن عملية الحجب تمت على خلفية سياسية بحتة، وضمن محاولة تكميم الأفواه وتغييب الرأي الآخر بالمطلق.