10.01°القدس
9.77°رام الله
8.86°الخليل
15.83°غزة
10.01° القدس
رام الله9.77°
الخليل8.86°
غزة15.83°
الأحد 22 ديسمبر 2024
4.59جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.81يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.59
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.81
دولار أمريكي3.65

خبر: القبضة الأمنية في المؤسسات الأكاديمية

ترك أمريكا حيث التقدير والتطور وسهولة الحياة والحرية وعاد الى الأردن رغبة في خدمة وطنه، وبرا بوالديه في كبرهما ولتنشأ بناته في محاضن صباه في بيئة نظيفة عربية مسلمة. تلقفته إحدى الجامعات الحكومية وأصدرت قرار تعينه بمجرد وصوله؛ حيث رأى فيه عميد الكلية استثمارا في مستقبل الكلية والجامعة والطلبة، وسارت الأمور على خير ما يحب الطرفان حتى جاءت المرحلة الأخيرة في رحلة استكمال الإجراءات والعقبة الكؤود في تلك الوريقة المسماة «الموافقة الأمنية» التي يظن من يصدرونها أنهم يتحكمون في مصائر البشر وأرزاقهم، متناسين أنهم مجرد أدوات لإنفاذ قدر الله في البسط أو المنع أو الشدة أو الرخاء، وهو وحده سبحانه الرزاق الجبار الذي بيده مقاليد الرزق والحياة والقوة. جاء الرفض من الجهات الأمنية لا لشيء ارتكبه ذلك الدكتور الشاب الذي يحمل أفضل ما في علوم الغرب في تخصصه وتربى على أفضل قيم الشرق؛ مما جعل أمريكا تفرد له حضنها، سوى أن والديه صاحبا تاريخ عريق في التربية والدعوة والخدمة الاجتماعية! وليس بعيدا فقد اتهم أستاذ أردني بتمويل تنظيمات ارهابية، وسجن ظلما لأكثر من سنة ثم خرج من السجن بالبراءة ليسجل براءة اختراع دواء لمرضى السكري! أوليس عجيبا أن يتهم المرء بصناعة الموت ثم يخرج من بين يدي ذات الشخص ترياق للحياة؟! إنه جهل من يقيمون الإنجازات والخبرات والسير الذاتية فيحكمون على العلماء بجهلهم وينفذ للأسف حكمهم في التعيين! فيا للسير الذاتية كم هي عجيبة بنودها في بلادنا! ويا للانحطاط في معاييرنا في الاختيار والتوظيف! ونعجب بعد ذلك لفشل مؤسساتنا في الإبداع والبحث وهي تعين أساتذة لا يعرفون من التعليم سوى الحشو والتلقين! ونعجب كيف نخرج طلابا فارغين من أي مضمون وثقافة قد يقدم أحدهم على قتل زميله لمجرد نظرة أو تلاسن أو تفاخر بالأباء أو نزوة عاطفية! وصدق الشاعر: تعجبين من سقمي صحتي هي العجب! وهذه المعايير الأمنية لم يعمل بها في التعيين الأكاديمي في السابق، فلقد خرجت الجامعات الأردنية معظم السياسيين الأردنيين موالين ومعارضين، إسلاميين ويساريين، وكانت الجامعات المحضن الأوسع لتفتح المدارك والنشاط، وما انتكس وضع الجامعات والطلاب إلا عندما تغولت المؤسسة الأمنية على الجامعات كباقي مؤسسات الدولة! في الغرب تعتبر ممارسة العمل السياسي والاجتماعي من أعظم المؤهلات في المجال التدريسي خصوصا، بل إن كبرى الجامعات كهارفرد وأوكسفورد وكمبريدج تحرص على استقطاب واستكتاب السياسيين بمجرد خروجهم من المنصب الرسمي للعمل كمحاضرين وأعضاء هيئات إدارية في الجامعة، ويدفعون لهم مبالغ طائلة ويستحدثون كراسي الأساتذية والبحث بأسمائهم، ويعتبرون ذلك ميزة وجودة وتقدماً، حيث يقدمون كأصحاب خبرة وقدوة للجيل القادم من الطلاب وقادة والمستقبل. وعلى صعيد آخر، رأينا أداء بعض الأكاديميين المرضي عنهم رسميا في بلدنا يكون أحدهم وزير خارجية، ومن قبلها إعلام فيُنيم ضميره طوال فترة الوزارة ثم يصحو ضميره فجأة بعد الخروج منها، والانضمام الى مؤسسة بحثية أمريكية ويبدأ بالكتابة والتنظير عن الإصلاح السياسي ومتطلباته وتشخيص مشاكل البلد والمواطنين!! والسؤال: أين كانت هذه الرؤى والاستراتيجيات عندما كان وزيراً وساهم في التردي إلى القاع الذي وصلناه؟! أم إن الصدق لا يدخل القصور -كما قال الكواكبي في «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد»- ولا يأتي بالوزارة ولا يحفظها؟! وأكاديمي آخر مصري في ذات معهد كارنيجي كان يلقب بكبير الباحثين والباحث الأول، وكان ضيف الفضائيات الأميز في الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان حتى إذا ما ترك بلاد العم سام ورجع الى بلده وأصبح نائبا ارتد ردة ما بعدها ردة عن سابق قناعاته! وطالب المرشح الذي حصل على أعلى أصوات وثقة الشعب بالتنازل دون مبرر منطقي أو سبب مقنع! الأكاديمييون الزئبقييون موتى الضمير هم نتاج الفكر الاستبدادي، فتردي العلم والتعليم هما ما يمكن المستبد من السيطرة على الشعب الذي يبقى مأسورا لأهواء جسده وثقل الأرض دون أن يرفع رأسه لأعلى، ويصبح التعليم والشهادة ليس أكثر من وسيلة لتحصيل القوت! إذا أردنا التقدم بالتعليم في بلادنا فعلينا معالجة جذور المشكلة لا ظواهرها ونتائجها، واستئجار علماء أقوياء في علمهم وفهمهم أمناء في رسالتهم وعلى طلابهم، وبغير ذلك سيبقى الوضع على ما هو عليه: مزيداً من الحلول الترقيعية على خرق ما عاد يُرتق.