24.26°القدس
24°رام الله
28.3°الخليل
27.37°غزة
24.26° القدس
رام الله24°
الخليل28.3°
غزة27.37°
السبت 05 أكتوبر 2024
5.01جنيه إسترليني
5.39دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.19يورو
3.82دولار أمريكي
جنيه إسترليني5.01
دينار أردني5.39
جنيه مصري0.08
يورو4.19
دولار أمريكي3.82

يخربون بيوتهم بأيديهم

حمزة منصور
حمزة منصور
حمزة منصور

هذه العبارة القرآنية الكريمة جزء من الآية الثانية من سورة الحشر. وهي تتحدّث عن فريق من يهود المدينة المنوّرة، الذين وادعهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم غداة مهاجره من مكة الى المدينة، وحفظ لهم حقوق المواطنة بموجب وثيقة المدينة، التي يعدّها كثير من الباحثين أوّل دستور مكتوب ينظّم العلاقة بين مكوّنات المجتمع المدني،غير أنّ ما جبلت عليه نفوسهم من نقض للعهد، وغدر وخيانة تسبّب في إجلائهم من ديارهم، تمهيدا لتطهير جزيرة العرب منهم بعد ذلك في زمن الخليفة الراشد عمر بن خطاب رضى الله عنه.

ولمّا كانت هذه الصفات جزءا من جبلّتهم، يرضعونها لأبنائهم جيلا بعد جيل، فيشبّون عليها فإنّهم يمارسونها اليوم على أرض فلسطين، وحيثما حلّوا، دون أن يستوعبوا دروس التاريخ برغم ما عرف عنهم من ذكاء،وفي هذا السياق نفهم سياسة نتنياهو واليمين المتطرف اليوم، التي نقتطف منها واقعتين: أولاهما استخفافه بمشاعر أكثر من مليار ونصف المليار من المسلمين، بإغلاق بوّابات المسجد الاقصى، وإلجاء المصلين الى الصلاة في العراء، ومن ثمّ محاولة إقامة بوّابات الكترونية تضبط حركة الداخلين والخارجين،مع كلّ ما يعنيه ذلك من محاولة تكريس السيادة (الاسرائيلية) على المسجد، والتّحكّم بعملية الدخول والخروج، ومحاولة إذلال المسلمين، فضلا عن إعاقة وصولهم الى المسجد، وإضاعة فرصة الصلاة عليهم، للحدّ من الأعداد الغفيرة التي تؤمّ المسجد، والتي باتت تؤرّقهم. وثانيتهما الوقاحة التي مارسها نتنياهو حيال اقدام حارس سفارته في عمّان على ارتكاب جريمة منكرة، راح ضحيتها مواطنان أردنيان، فماذا كانت النتيجة؟.

لقد تسبّب إغلاق المسجد الاقصى، ووقف الآذان فيه، ومنع الصلاة، ومحاولة اقامة بوّابات الكترونية بصدمة عنيفة هزّت كلّ العرب والمسلمين، فاستنفر الشعب الفلسطيني قواه لمواجهة هذه السياسة المتغطرسة، وتُوّجت جهوده بإفشال ما خطّط له نتنياهو، وعُدّ ذلك نصرا للمرابطين والمرابطات تحدّثت به الركبان، كما تحرّكت الجماهير العربية والاسلامية فملأت المظاهرات والمهرجانات الساحات والطرقات، انتصارا للاقصى والقدس، وتنديدا بإجراءات الصهاينة، وتحريضا عليهم، ومطالبة بإلغاء المعاهدات معهم، والتصدي للتطبيع معهم، ما أحرج الدول التي تقيم علاقات طبيعية معهم،وتلك التي يسعى قادتها الى البقاء على عروشهم، وتوريثها للأبناء والأحفاد، الذين رأوا في تل أبيب جواز السفر المطلوب لذلك، وأعطى دفعة أمل للمصدومين من الانقلاب على ثورات الربيع العربي، فراحوا يتحدّثون عن انتصار المرابطين والمرابطات كشاهد على بداية التّحوّل، واستعادة الشعوب زمام المبادرة.

أمّا الواقعة الاخرى التي تصرّف فيها نتنياهو كمراهق سياسي عابث، يتواصل مع الحارس القاتل، ويطمئنه على عدم محاكمته، وعودته الى صديقته سالما، وبمتابعة خطّ سير عودته، ومهاتفته ومداعبته، ومن ثمّ استقباله استقبال الابطال، باعتباره يمثّل سياسة الدولة، فقد أحدث هزّة شديدة لدى الاردنيين و(الاسرائيليين) على حدّ سواء . فقد فجّر مخزون الغضب لدى الاردنيين، ورفع سقف خطابهم ومطالبهم الى مديات ظنّ الكثيرون أنّها اصبحت من الماضي، ما أحرج القيادة السياسية، وأتاح الفرصة للعودة الى الشارع من جديد، وتعالي الصيحات المطالبة بالانتقام. وفي الوقت ذاته رفع من درجة المعارضة داخل المعسكر الصهيوني،الذي راى في هذه التّصرّفات الرعناء تهديدا للكيان ، وتضييعا للفرص التي لاحت مع حالة الهوان العربي، والتي بلغت ذروتها مع اشتداد الحملة على الارهاب، ووصول ترامب للحكم، ورواج سوق السمسرة العربية.

إنّ هذه السياسة الصهيونية التي تمثّل العلوّ الذي تحدّثت عنه سورة الاسراء( لتفسدنّ في الارض مرتين ولتعلنّ علوا كبيرا) هي التي تفتح الباب واسعا لتحقيق وعد الله عزوجل بتقويض دولة الاحتلال، وتطهير الارض من رجس بني صهيون،وتحقيق وعد الله الذي لا يتخلّف(فاذا جاء وعد الاخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا). وبهذه السياسة المتغطرسة يجرّ قادة الكيان الويلات على شعبهم ويخربون بيوتهم بأيديهم.