في شهر رجب دائمًا نتحدث عن الإسراء والمعراج، ويتحدث الدعاة، ويخطب الخطباء؛ أن هذه الرحلة تمثل العناية الربانية، وأن هذا الحدث الكبير يمثل الرعاية الإلهية برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم. جاء الإسراء والمعراج في وقت لم يترك النبي- صلى الله عليه وسلم- فيه سبيلاً إلا سلكه، ولا وسيلة مشروعة إلا أخذ بها، حتى ضاقت به السبل، وأغلقت أمامه الطرق، وقوبل بما لا يقابل به كريم قوم، أو من أسموه بـ"الصادق الأمين". وحسبك فقط أن تقرأ شيئًا من رحلته خارج مكة في الطائف كما أوردها الرحيق المختوم: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، وهي تبعد عن مكة نحو ستين ميلاً، سارها ماشيًا على قدميه جيئة وذهوبًا، ومعه مولاه زيد بن حارثة، وكان كلما مر على قبيلة في الطريق دعاهم إلى الإسلام، فلم تجب إليه واحدة منها. فلما انتهى إلى الطائف عمد ثلاثة إخوة من رؤساء ثقيف، وهم عبد ياليل ومسعود وحبيب أبناء عمرو بن عمير الثقفي، فجلس إليهم ودعاهم إلى الله، وإلى نصرة الإسلام، فقال أحدهم: وهو يَمْرُط ثياب الكعبة (أي يمزقها): إن كان الله أرسلك. وقال الآخر: أما وَجَدَ الله أحدًا غيرك، وقال الثالث: والله لا أكلمك أبدًا، إن كنت رسولًا لأنت أعظم خطرًا من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغى أن أكلمك. فقام عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقام بين أهل الطائف عشرة أيام، لا يدع أحدًا من أشرافهم إلا جاءه وكلمه، فقالوا: اخرج من بلادنا. وأغروا به سفهاءهم، فلما أراد الخروج تبعه سفهاؤهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به، حتى اجتمع عليه الناس، فوقفوا له سِمَاطَيْن (أي صفين) وجعلوا يرمونه بالحجارة، وبكلمات من السفه، ورجموا عراقيبه، حتى اختضب نعلاه بالدماء". عندما حدث له ذلك فتح الله له طاقة من تفريج الهموم، ويسر له طريقًا إلى التيسير والفيوضات والبركات والأنوار، وكأن لسان الحال يقول: إذا كان أهل الأرض أغلقوا أمامك الأبواب، فإن أبواب السماء مفتوحة على مصاريعها لك يا محمد.. إذا كان أهل الأرض قابلوك بما لا يليق بك فإن أهل السماء يحبونك ويكرمونك ويتمنون رؤيتك، وكان استقباله حافلا، (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) (النجم).ويأتي الإسراء والمعراج هذا العام وأمتنا غارقة في بحار من دماء الأبرياء والنساء والأطفال في سوريا، وعدد كبير منهم مهجَّر إلى لبنان والأردن وتركيا. يأتي الإسراء والمعراج هذا العام وهو شاهد على ظلم النظام الدولي، وانحيازه للشر ضد الخير، وللباطل ضد الحق، ولنصرة الظالم على المظلوم. يأتي الإسراء والمعراج هذا العام والثورة في ليبيا واليمن معرقَلة تحتاج إلى مزيد من التفاهم والإخلاص والمشاركة. يأتي الإسراء والمعراج في بلد المعراج نفسه وهو يعاني الانقسام ويحاول رأب الصدع ولم الشمل في ظل حصار ظالم لقطاع غزة وتجويع لأهلها، لا لشيء إلا لأنهم اختاروا بإرادتهم ما لا يرضى عنه الصهاينة ومن ورائهم الأمريكان. يأتي الإسراء والمعراج هذا العام ومصر مبتلاة بنظام مخلوع أثيم يريد أن يعود للحكم بعد أن ثار المصريون عليه وخلعوه، وتسمع فحيح أفاعيه تنفث سمومها من جحورها التي تلبَّست بها متخفية جبانة ردحًا من الوقت، فلما أنست شعاعًا من أمل خرجت من جحورها تنثر سمومها بين الناس، نظام خلعه الشعب يريد أن يعود بكل إصرار وقوة، تعاونه في ذلك آلة إعلامية جبارة لا تكف عن الكذب والتشويه واختلاق الإشاعات وترويجها بين البسطاء عبر الحملات المسعورة التي لا ترقب في مصر وثورتها وشهدائها وجرحاها إلاًّ ولا ذمة. فهل لنا أن نسأل الله تعالى أن يمن على أمتنا بإسراء جديد يخفف به من محنتها، وييسر صعبها، وينفس همها، ويكشف كربها، وينتصر فيه لدماء الشهداء الأبرار، وجراحات الجرحى الأطهار، ويبلغ ثوراتنا أملها، ويحقق لها سؤلها، ويبلغها أمانيها، ويمن على أمتنا بالوحدة والقوة، لكي تكون أمة شاهدة لا راكدة، وأمة يتحقق لها مقام الشهادة على العالمين؟! اللهم آمين!
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.