الحمد لله ، هذا أعز يوم على مصر بعد يوم عزل مبارك عن رئاسة الجمهورية ، هذا هو الانتصار الثاني للثورة ، وكما حبست أنفاس المصريين قبل عزل مبارك بساعات حبست أنفاس المصريين جميعا طوال الساعات التي سبقت الوصول إلى النتيجة النهائية لانتخابات الرئاسة ، وقبل أن يعرف العالم أن محمد مرسي هو رئيس مصر الثورة ، هذا يوم تاريخي ، مفتتح جديد للتاريخ ، هذا يوم تطوى فيه صفحات من تهميش الشعب وقهره وإذلاله والتلاعب بإرادته واحتقاره ، هذا يوم يعلن فيه الشعب المصري أنه صاحب القرار ، وأنه هو الذي يحدد من يحكمه وهو الذي يختار ، نتائج الانتخابات الرئاسية تكشف عن معركة طاحنة انتصرت فيها المبادئ على لغة المصالح ، انتصرت فيها روح الثورة على طموح الفلول ، انتصرت فيها الثقة بالنفس والوطن على أجواء الخوف التي تم بثها على نطاق مروع ، انتصر فيها وعي المصريين على منظومة إعلام شيطانية ضخت فيها مليارات الجنيهات من أجل قهر الثورة وإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء وإعادة الهيمنة والاستعباد للشعب المصري ، انتصرت فيها كرامة المصريين على محاولات شراء أصواتهم التي ضخ فيها مليارات الجنيهات من حيتان الفلول على أمل أن يأتي رئيس يتستر على جرائمهم ويسمح لهم بالمزيد من النهب الحرام . معركة الرئاسة لها أبعاد كثيرة ودروس كثيرة ، لعل في مقدمتها الدرس الكبير لكل تلك الأصوات المتعالية التي حقرت من قوة التيار الإسلامي بعد حملات التشويه التي قادها العسكر بمهارة في الإعلام الرسمي والخاص وإعلام الشارع الذي تحسنه أجهزة أمنية محترفة ومتخصصة طوال الأشهر الماضية ومنذ دخولهم البرلمان ، النتائج كشفت عن أن الحديث عن تراجع الثقة بالتيار الإسلامي لدى الناخبين وأنهم لن يتمكنوا من الفوز بأي انتخابات أخرى بعد الآن ، اتضح أن كل ذلك أوهام وأماني النفوس المريضة ، لقد حصل محمد مرسي في جولة الإعادة على حوالي ثلاثة عشر مليون صوت انتخابي ، كانت كافية وزيادة للرد على هذه الأصوات الواهمة ، أيضا تأتي نتائج الانتخابات بفارق لا يعتبر كبيرا بين طرفيها ليضع التجربة المصرية في مصاف التجارب الديمقراطية العريقة التي يفوز فيه الرئيس بفارق واحد في المائة وأحيانا أقل من ذلك ، مرسي فاز بقرابة ثلاثة في المائة أو حوالي مليون صوت زيادة على منافسه ، وهذا يعني في المحصلة أن المرشح الفائز سيحتاج إلى جهد كبير لإقناع نصف المجتمع تقريبا بجديته واستحقاقه للمنصب وجدارته به . وفي هذه اللحظة الحاسمة والتاريخية ، وبالنظر إلى عظم المسؤولية ، وعظم التحدي ، وعظم التآمر أيضا ، أتوجه بنصيحة مخلصة للرئيس الجديد أن يكون أول قرار يتخذه ، وأن يبدأ في التمهيد له من الآن ، أن يكلف أحد رموزنا الوطنية بتشكيل حكومة وحدة وطنية موسعة من جميع قوى الثورة بشكل أساس ، وأتمنى أن يكلف بها شخصية في حجم الدكتور محمد البرادعي ، فالمعركة المقبلة لا تقل خطورة عما سبق ، والمواجهة مع تغول المجلس العسكري على السلطة تحتاج إلى ائتلاف وطني كبير ولن يقوى عليه فصيل وطني وحده مهما كان ، وكانت خبرة الثورة المصرية من أيامها الأولى وحتى الآن أن العسكري لا يتراجع خطوة إلا إذا شعر أنه أمام تلاحم وطني شامل ، أما عندما يواجه فصيلا وحده فإنه يسهل عليه الاستهتار به وتجاهله ، فمن أجل مصلحة مصر الوطن والثورة والمستقبل ، بل بصراحة أكثر ، من أجل مصلحة الإخوان المسلمين وحزبهم أيضا ، لا بد أن تكون أهم وأعظم خطوة هي خطوة تكليف شخصية سياسية كبيرة ومستقلة مثل الدكتور محمد البرادعي بتشكيل حكومة وطنية ، ولا يمثل الإخوان فيها غالبية أبدا ، لأن الدور المنوط بتلك الحكومة سيكون أهم وأخطر من منصب الرئيس نفسه الذي قلصه العسكري بالفعل قبل ساعات من ظهور نتيجة انتخابات الرئاسة ، هذه فرصة تاريخية لتصحيح سلسلة أخطاء أنتجت عواقب كارثية ، وأرجو أن يحملها الرئيس الجديد على محمل الجد الكامل بل الأولوية الكبيرة.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.