تتوالى الضربات الموجعة التي توجهها الجهات الرقابية الفلسطينية للتجار وأصحاب المطاعم الذين يبيعون ويتاجرون بالمواد الغذائية والتموينية والصناعية غير الصالحة للاستهلاك الآدمي.
فخلال شهر واحد فقط، استطاعت نيابة الجرائم الاقتصادية بالتعاون مع الضابطة الجمركية ووزارتي الصحة والاقتصاد من إغلاق عدد من المطاعم والكافتيريات والمحلات التي تبيع الكوكتيل، وتوجيه إنذارات نهائية لنحو 60 مطعما ومصنعا في مواقع مختلفة من الضفة الغربية.
كما جرى خلال شهر واحد فقط إتلاف مئات الأطنان من المواد المنتهية الصلاحية، أو تلك التي لا تحمل أوراقا رسمية، أو القادمة من المستوطنات الإسرائيلية. خطوة لاقت ترحيبا وارتياحاً كبيرا من المواطنين، الذين -وإن رأوا فيها متأخرة- لكنها تسهم في خلو الأسواق من المواد الفاسدة، وتضع حدا لجشع وطمع بعض التجار، الذين يثبت عليهم عدم الالتزام بشروط الصحة والسلامة العامة، مطالبين بإنزال أقصى عقوبة بحقهم.
إنجاز شهري
أحدث بيان لإدارة العلاقات العامة والإعلام في الضابطة الجمركية، بين أنه قد تم خلال الشهر الماضي، إتلاف 40 طنا من المواد المنتهية الصلاحية في عدد من المحافظات، وتم ضبط 2 طن من منتجات المستوطنات الممنوعة من التداول، وضبط 9600 لتر سولار مهرب غير مطابق للمواصفات وبدون أوراق رسمية، وتم مصادرة 300 قطعة العاب ممنوعة من التداول. وفي الجانب الزراعي تم التعامل مع 34 قضية زراعية متنوعة ما بين مبيدات زراعية ومنتجات زراعية وحيوانية بدون تصريح زراعي أو أذون استيراد وبدون شهادات صحية.
وفي مجال الأمن الصحي تم ضبط 9 طن مواد منتهية الصلاحية وغير مطابقة للمواصفات والمقاييس الفلسطينية بواقع 18 قضية.
عمل مشترك
وأوضحت الضابطة الجمركية، انه قد تم إنجاز هذه القضايا من خلال المتابعة وجمع المعلومات الاستخبارية وعمل الدوريات الاعتيادية والكمائن على مداخل المدن والقرى، أو من خلال البلاغات واتصالات المواطنين عبر الصفحة الرسمية للضابطة الجمركية أو على الرقم المجاني 132.
كما أكدت أنه تم تحقيق هذه الانجازات بعد تشديد الرقابة والمتابعة وتكثيف الجولات الميدانية وبتعزيز التعاون مع الشركاء في كافة المؤسسات والأجهزة الحكومية لتحقيق الأمن الاقتصادي والغذائي والصحي وتنظيم السوق الفلسطيني ونشر الوعي المجتمعي في صفوف المواطنين، ومن أجل ذلك عقدت أكثر من ثلاثين محاضرة توعوية في مختلف المحافظات.
ارتياح كبير
ومع كل خطوة للجهات الرقابية، تعج مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات المتفاوتة، فمنها ما يشيد بالإجراءات، ويدعو إلى استمرارها، ومنها من يطالب بفرض عقوبات رادعة بحق من يصفونهم بـ"أصحاب الضمائر الفاسدة"، حتى يكونوا عبرة لغيرهم.
جهاد ميلاد من إحدى قرى جنين، قال إنه "يثمن جهود الضابطة الجمركية وغيرها من الأجهزة الأمنية والمؤسسات ذات العلاقة التي تقوم بضبط مثل هذه البضائع"، وطالب أن تكون هذه الإجراءات دائمة، ولا تقتصر على حالة بعينها، أو وقت محدد.. كما يجب أن تشمل جميع المنتجات والمحلات والمصانع والتجار ويضمن ذلك مراقبة الأسعار".
أما نظمي عودة فأعرب عن اعتقاده الجازم أن كسب أجهزة ومؤسسات السلطة والقيادة الفلسطينية لثقة المواطن، لا يمكن الحصول عليها من عقد ورشات ومؤتمرات وإطلاق الشعارات، دون وجود فعل على الأرض يلمسه المواطن فيه تغيير ايجابي، وخاصة في الجوانب المتعلقة بحياة أطفاله.
وشدد على أن الأصل هو استمرار هذه الحملات وأن لا تتوقف أبدا، مع ضرورة فرض العقوبات المشددة وأن لا يفتح المجال لما وصفاه بـ "الطبطبة" والبعد عن اجتراح الأعذار والتبريرات.
صد عن الشراء
لكن الخوف من أن تتسبب تلك الأخبار بخلق حالة من الرعب في المجتمع الفلسطيني، والصد عن تناول الأطعمة في المطاعم والكافتيريات، ما قد يلحق أضرارا بالغة بالاقتصاد الوطني.
يقول أمجد محمد من نابلس إنه "مستاء جدا من وجود كميات كبيرة من البضائع منتهية الصلاحية في السوق الفلسطيني وخاصة الغذائية منها"، وتابع "بتنا في حيرة ونفكر ألف مرة قبل أن نشتري احتياجات البيت الغذائية.. وننظر لتواريخ الصلاحية ونسأل عن المصدر".
أما صديقه مؤيد جمال فيشاركه الرأي، "أنا لم أتناول أي وجبة من أي مطعم أو كافتيريا منذ شهر.. أبقى جائعا حتى أعود للبيت". ويضيف "صرت أشك بنظافة كل محلات بيع الأطعمة والمشروبات.. وأتخيل أن المطبخ الخاص بهم غير نظيف، وبه قاذورات".
فضح الفاسدين وردعهم
أما الناشطة ولاء شلبك، فشددت على أهمية الاستمرار في الرقابة والتفتيش ومحاسبة الفاسدين وفضحهم، وقالت إن "ذلك سيكون أكبر رادع لبقية المؤسسات والمحلات حتى تصلح الخلل". وأوضحت أن من شأن استمرار هذه الحملات، تعزيز ثقة المواطن بمؤسسات السلطة، خاصة الأمنية منها.
وأضافت "العقوبة الصارمة وتكبيد الذين يغشون خسائر فادحة لربما تخفف من غشهم وفسادهم".
لا للتعميم
أما محمود جواد وهو صاحب محل بقالة وسط جنين، فيطالب المواطنين بعدم التعميم، وعدم ظلم كل أصحاب المحلات، بسبب تصرف تاجر أو تاجرين. وقال "أنا افحص كل ما اشتريه من المورد، وأراقب تواريخ الصلاحية، والتغليف، ولا أستقبل منه أي بضاعة أشك بصلاحيتها".
وأوضح أن "صاحب البقالة أو السوبرماركت قد لا يستطيع أن يتفقد كل ما لديه من بضائع ومواد.. فقد ينسى نوعا معينا في المخزن أو على رفوف العرض، بشكل غير مقصود، وهذا لا يعني أنه مقصر أو يريد أن يبيع بضائع فاسدة للمواطنين".
كما طالب بعدم تضخيم الموضوع، وقال "هناك مشكلة، أن أي مواطن قد يشاهد قطعة من البسكويت أو علبة كولا ويشك أنها فاسدة او ما شابه، فورا يصورها وينشرها على صفحات الفيسبوك.. ويبدأ الكل بتداولها والشتم والسباب على التجار وأصحاب المحلات".
خسائر تجارية
ويوافقه الرأي نسبيا أيمن سنيفة من قلقيلية، وهو صاحب مطعم. يقول "من كان نظيفا في بيته، فهي نظيف في كل مكان.. وأنا اشترط على العاملين عندي ارتداء "روب" العمل، ووضع قفازات في أيديهم، خاصة وقت إعداد الوجبات وتقديمها".
وتابع "الأخطاء واردة، ونحن بشر، فلا داعي لتضخيمها، وتصوير المطاعم أنها بؤرة للمواد الفاسدة وتقدم الطعام الفاسد".
وكشف سنيفة أن "مطعمه ومطاعم كثيرة في البلد تتراجع مبيعاتها مع كل مرة تنتشر فيها صور لضبط مواد غذائية أو إغلاق مطعم أو كافتيريا، ولو كانت في الخليل وليس في قلقيلية، فالناس تتأثر بشكل كبير".
وقال "بالمقابل، سأكون صريحا، فهذه الخطوة دفعت كثير من التجار وأصحاب المحلات للاهتمام اكبر بجودة ما يبيعونه، وبما يقدمونه من أطعمة وأغذية ومنتجات".