الخبر السيئ أن مصر تتعرض هذه الأيام لما يمكن أن نسميه «تسونامى الشائعات» التى تغذى التوتر والبلبلة. أما الخبر الأسوأ فهو أن ممارسات السلطة وتسريبات دوائرها ضالعة فى ذلك، الأمر الذى يضيف الشكوك إلى التوتر. ويشيع الخوف من المجهول القادم. فهمنا الشائعات التى تخوف من الإخوان وتروع من السلفيين، سواء ما تعلق منها بإلزام شعب مصر بارتداء الطُّرح ــ الحجاب للنساء و«الغُطرة» للرجال ــ وتلك التى ادعت أن الأقباط سيرغمون على دفع الجزية. وسيطردون من الجيش والوظائف العليا للدولة. أما الفنانون والمبدعون، فسوف يساقون إلى مزرعة طرة واحدا تلو الآخر، فى حين سيضم التليفزيون والإذاعة إلى محطة القرآن الكريم، وسيتم تغيير أسماء المدن والشوارع، حتى الطريق الدائرى سيصبح «الطريق المستقيم». إلى غير ذلك من الخرافات والسخافات التى بات كثيرون مستعدين لتصديقها فى أجواء «الإسلاموفوبيا» الراهنة فى البلد. ذلك كله فهمناه لكثرة ما اعتدنا عليه. إنما الذى لم أفهمه وأستغربه هو ذلك الحديث المتواتر عن احتمالات وقوع حرب أهلية فى مصر، لقد سمعت أحد الخبراء الاستراتيجيين وثيقى الصلة بالمجلس العسكرى الحاكم يلوح بذلك الاحتمال. ومحذرا من أن فى مصر الآن نحو عشرة ملايين قطعة سلاح، ومؤكدا على أن الجيش مفتوح الأعين وأنه جاهز لحماية البلد مما يتهددها جراء ذلك. حين سمعت هذا الكلام قلت على الفور إن ذلك اتهام لأجهزة الدولة بالتقاعس أو التواطؤ. فإذا صح أن فى البلد هذا الكم الكبير من الأسلحة، فلماذا تتركه تلك الأجهزة بين أيدى الناس. وما هو الجهد الذى تبذله سواء لمصادرة الأسلحة أو تشديد عقوبة حيازتها ما لم يتم ذلك بتصريح. أم أن أجهزة التحرى والضبط والتحقيق تقف منها موقف المتفرج؟ لقد تحدثت تقارير عن تهريب أسلحة من ليبيا، وهو ما لا أستبعده لأن القذافى فتح مخازن السلاح لأنصاره أثناء الثورة عليه، فأغرق البلد بها، فضلا عن الحدود المفتوحة مع الجزائر وتشاد والنيجر، تمكن جماعات العنف وعصابات تهريب السلاح من الانتقال بحرية فى تلك المنطقة الشاسعة. العملية كلها غير قانونية لاشك فى ذلك. إلا أن أكثر ما يهمنا فى الموضوع أن ذلك السلاح ليس موجها ضد مصر وأن هناك محاولات لتهريبه إلى قطاع غزة. إلا أننا وجدنا أن بعض دوائر السلطة استخدمت المعلومة فى اتجاهين، أولهما للإيهام بأن مصر مقبلة على حرب أهلية، وثانيهما الإدعاء بأن حركة حماس لها صلة بالموضوع، وأن بعض عناصرها دخلوا إلى البلاد عبر الأنفاق لكى يؤججوا الصراع المفترض. كأن الذين يحرصون على إشاعة هذه المعلومات أرادوا أن يضربوا عصفورين بحجر واحد. أحدهما تعزيز سيناريو الحرب الأهلية. والثانى تلبيس حماس تهمة تهديد الأمن المصرى والمشاركة فى إحداث الاضطرابات فى البلد. ولا يغيب عن بالك أن أركان النظام السابق وأبواقه دأبوا على إقحام حماس فى العديد من الأحداث التى شهدتها مصر بعد الثورة، من فتح السجون إلى قتل المتظاهرين، لتبرئة ساحة الأجهزة الأمنية المسئول الحقيقى عن كل ذلك. لا نستطيع أن نتجاهل دور الأبواق الهابطة والصحف الصفراء، التى أبدت استعدادا مدهشا لإشعال حريق فى البلد، وهى تسعى للإثارة وجذب المشاهدين أو القراء، بين أيدينا نموذج فادح لذلك صادفناه فى الأسبوع الماضى، حين نشرت إحدى الصحف عنوانا رئيسيا على صدر صفحتها الأولى يتحدث عن «مجزرة القرن فى مصر» ــ وتحته حديث مزعوم عن محضر سرى لاجتماع اشترك فيه قادة حزب الحرية والعدالة تقررت فيه خطة تحرك جماعة الإخوان فى حالتى سقوط أو فوز المرشح الرئاسى الدكتور محمد مرسى. وحسب الكلام المنشور فإن الخطة تقضى بما يلى: فى حالة سقوط الدكتور مرسى ستقوم مجموعات مدربة من جماعة الإخوان باستدراج الشباب للخروج فى مظاهرات ضد الفريق شفيق. يتم خلالها إطلاق النار عن طريق قناصة وخلايا نائمة من فوق أسطح العمارات فى العباسية وميدان مصطفى محمود وميدان التحرير وحى الدقى. إلى جانب ذلك تحرك المجموعات البدوية الموكل إليها ضرب نقاط التفتيش فى سيناء لتسهيل دخول مجموعات حماس والحرس الثورى(؟!) للمساعدة فى الانقلاب العسكرى المسلح ضد الرئيس والجيش. أما فى حالة فوز الدكتور محمد مرسى فتوجد قائمة تضم 300 من الشخصيات العامة فى عدة محافظات سيتم تصفيتهم فى توقيت واحد!! وذلك لبث الهلع والرعب لإخضاع الشعب وتهيئته لتنفيذ مشروع الإخوان القهرى، وهو دولتهم الكبرى التى عاصمتها القدس. فهمت أن بلاغا قدم للنيابة ضد الجريدة التى نشرت هذا الكلام، لكن الأهم من ذلك أن الصراع الحاصل فى مصر بدا وكأنه أصبح بلا سقف ولا عقل. وهو ما لا ينطبق على مثل تلك الفرقعات فحسب، ولكنه ينسحب أيضا على الإعلان الدستورى الذى صدر يوم الخميس الماضى، الأمر الذى يدعونى إلى القول بأن إعلانا صادما من ذلك القبيل، لا تكون أصداؤه إلا من هذا النوع الهابط.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.