إن من سنن الله في كونه الفسيح البديع أن يكون هناك صراع بين الحق والباطل ، ممتداً ذلك منذ خلق آدم وصراعه مع عدو الله ابليس . وقد تسلط الباطل في زمن من الأزمان ولكن هذا التسلط امتحان من الله تعالى لعباده الموحدين واستدراج للكفار والمرتدين ولكن قضى الله سبحانه وتعالى بأن العاقبة والنصر والتمكين لعباده الموحدين . وجماعة الإخوان المسلمين وعلى مدار ثمانين عاماً من الدعوة والجهاد تعرضت لحملات متعددة من القمع والقتل والسجون والحظر ، وكان الناظر إلى الجماعة في سنوات المحنة لا يمكنه إدراك حقيقة كان الإخوان طوال هذه السنوات واثقين من تحققها وهي أن النصر لهذه الدعوة قادم لا محالة ، وسيعلو شأن هذا الأمر مهما علا الباطل وتجبر ، فبعد الظلمة فجر صادق، وبعد المحنة منحة ربانية "نصر من الله وفتح قريب" . كانت الانتصارات التي استحقتها الجماعة - بفضل جهد دعوي واجتماعي وسياسي طويل بدأ منذ اللحظة الأولى لانطلاق الجماعة – تتوالى ، فبعد حصولها على أكثرية برلمانية في غرفتي الشعب والشورى ، بدأت مرحلة الرئاسة وحاولت الجماعة الوفاء بوعدها بعدم زج أحد أعضائها في السباق الرئاسي إلا أنها استشعرت الخطر والنوايا المبيتة لقتل الثورة وإعادة إنتاج النظام القديم فكان ترشيح الشاطر ومن ثم الدكتور مرسي والملابسات لذلك أصبحت ظاهرة للجميع . فاز الدكتور محمد مرسي ليكون أول رئيس للجمهورية المصرية بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير ، وكانت الفرحة العارمة ليس في مصر وحدها بل في كل مكان وجد فيه من يحب مصر ومن يحمل فكر ودعوة الإخوان . ولعل غزة التي عبرت عن فرحتها بطريقتها الخاصة والفريدة كانت أكثر بقاع الأرض فرحاً بهذا النصر الكبير ، وأكاد ازعم أن الفرحة التي سادت غزة يوم الأحد يوم إعلان النتيجة فاق ذلك اليوم التي أعلن فيه فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية . ورغم الفرحة الكبيرة إلا أنه لابدعلينا أن نعترف أن الرئيس المصري تعترضه العديد من الصعوبات وان خريطة تحركه يكتنفها العديد من العقبات الكبيرة التي سيكون عليه تذليلها في وقت قياسي من أجل تنفيذ مشروع النهضة التي وعدت جماعة الإخوان المصريين بتطبيقه بما يعود على مصر وأهلها بالخير . لذلك فإن صدقية الحركات الإسلامية باتت على المحك ، والناس اليوم في عديد من الأقطار التي تفوق فيها الإسلاميون تنتظر تطبيقاً صادقاً لشعار الإسلاميين في غالبية الدول العربية والإسلامية " الإسلام هو الحل " وبالتأكيد –لاسمح الله – لو فشل الإسلاميون في تطبيق شعارهم فالمشكلة بالتأكيد ليست في الإسلام بل فيمن قاموا على تطبيق أحكامه وترجمتها واقعاً عملياً ينهض بالواقع المعقد للشعوب العربية والإسلامية . لذلك فمن الواجب على الرئيس المصري الجديد أن يستانس بالتجارب الإسلامية الناجحة التي استطاعت اختراق الصعوبات وتشكيل نجاح معجز أبهر العالم أجمع ، إضافة إلى قراءة الواقع المصري والالتفات إلى القضايا التي تشكل هماً كبيراً للمواطن البسيط والعمل على تفكيكها حسب الأولوية والأهمية بعيداً عن الإرجاء والتأخير. ومن أهم النقاط الواجب التنبيه إليها عدم التلهي في المناكفات السياسية والصراعات مع أي طرف مصري أو غير مصري والابتعاد عن الهموم العامة ومشاكل المواطن البسيط بسبب ذلك ، بل لابد من السير في خطوط متوازية ، فالمواطن في النهاية لا تعنيه المناكفات السياسية والصراع على الصلاحيات بقدر ما يبحث عن تحسين أوضاعه وحل مشاكله التي تراكمت على مدار عقود طويلة . ختاماً من الواجب علينا كفلسطينيين أن نعتبر مما يحدث حولنا من تغيرات سريعة لم يكن يتوقعها إنسان قط ، وعلينا أن نؤمن يقيناً أن التغيير بيد الله ، وأن تحرير فلسطين وإن كان في عقول كثيرين بعيد المنال إلا أنه وبالقياس مع ما يحدث حولنا قريب قريب ، فأعدوا العدة وجدوا المسير فالنصر من عند الله وهو المانح لعباده هذه النعمة الكبيرة " والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون" .
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.