كانت الخريطة واضحة داخل مصر في صراع الفضائيات حول معركة رئيس الجمهورية ، حيث طغى الانحياز للفريق أحمد شفيق على الغالبية الساحقة من القنوات الفضائية المصرية الخاصة وأيضًا التليفزيون الرسمي للدولة ؛ وذلك بحكم أن مُلاك القنوات جميعهم من أبناء النظام السابق ورؤوس أموالهم بالكامل جُمعت من ممارسات وأنشطة، أغلبها غير قانوني، ويخشَوْن أن يأتي رئيس إسلامي أو ثوري يفتح هذه الملفات، ويعرِّض مصالحهم للخطر، وربما تنتهي بهم الأمور إلى السجن أو الهرب خارج مصر ؛ ولذلك وظفت تلك القنوات جهودها بصورة عنيفة، خاصة في الأسبوع السابق لجولة الإعادة من أجل دعم مرشح "الفلول" الفريق أحمد شفيق ، في حين انحازت فضائيات الدولة الرسمية أيضًا لمعسكر شفيق بحكم انتماء كثير من قادة التليفزيون الرسمي إلى النظام القديم وارتباطهم بمصالح تهدَّدت أو ضاعت أثناء الثورة وبعدها، ويحلمون بعودة النفوذ والسيطرة والمخصَّصات المالية الضخمة عن طريق أحمد شفيق ، رغم أنه لا يمكن إنكار التغيُّر النسبي في تغطيات البرامج والأخبار، لكنه محدود للغاية ، حتى أن العاملين بالتليفزيون أبدوا دهشة كبيرة عندما رأوا قيادات بمبنى ماسبيرو، يتبادلون التهاني والأحضان بعد تسرب أنباء عن فوز شفيق قبل إعلان اللجنة بساعات قليلة . غير أن معركة الفضائيات لم تكن داخل مصر فقط ، بل كانت هناك معركة حامية الوطيس بين اثنتين من كُبريات القنوات الفضائية العربية خاضتا المعركة بكل قوة ، وهما قناتا "العربية" المدعومة من المملكة العربية السعودية وقناة "الجزيرة" المدعومة من الحكومة القطرية ، منذ اللحظة الأولى، وقد أبدت قناة "العربية" انحيازَها للفريق أحمد شفيق ؛ باعتباره يمثل النظام القديم والامتداد الطبيعي لحكم الرئيس السابق حسني مبارك الذي حظي بدعم وتعاطف كبيرين من المملكة السعودية ، كما أن الحساسيات التقليدية من أي نظام حكم يتمثل فيه التيار الإسلامي كان حاضرًا بقوة في خلفية المشهد ، وحوّلت قناة "العربية" أستديوهاتها في القاهرة إلى مِنبر إعلامي مركّز لدعم الحملة الانتخابية للفريق شفيق ووضعت قائمة مختارة بعناية من الضيوف في البرامج الحوارية التي أدارها الزميل الإعلامي محمود الورواري من القاهرة ، غالبيتها العظمى من خصوم التيار الإسلامي وأنصار النظام القديم ، كما رتبت المداخلات الهاتفية أو المصوَّرة من خلال ما يشبه تنسيقًا صحفيًّا مع "فلول" مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والذين يدعمون أحمد شفيق بقوة ويراهنون على عودة النظام القديم . بالمقابل حاولت قناة "الجزيرة" القطرية تعزيز موقعها لدى الرأي العام العربي بوصْفها شريكة في ثورات الربيع العربي ، وعلى الرغم من احتفاظها بمساحة اعتدال في الحوارات والضيوف والتغطيات الحية من أستديوهاتها في القاهرة والتي شارك فيها الإعلاميان محمود مراد ومحمد كريشان بشكل أساس ، إلا أن الروح العامة في "الجزيرة" كانت تميل إلى مرشح الثورة محمد مرسي ، كما كان للتغطية المستمرة لقناة "الجزيرة مباشر مصر" لفعاليات ميدان التحرير دور في خدمة التيار الشعبي المؤيد للثورة والمناهض لمرشح النظام القديم أحمد شفيق ، وعندما أعلن المستشار "فاروق سلطان" ، رئيس اللجنة العليا للانتخابات ، عن فوز الدكتور محمد مرسي برئاسة الجمهورية ، كان ذلك ـ في بعض توابعه ـ إعلانًا بهزيمة قناة "العربية" وفشل رهانها ، بالمقابل انتصار قناة "الجزيرة" في رهانها حتى اللحظة الأخيرة على انتصار الثورة المصرية وانتصار الربيع العربي معها . وبقدر ما أظهرت "الجزيرة" من معالم الاحتفال بالنصر الذي تعتبر نفسها شريكة فيه ، بقدر ما شعرت "العربية" بمرارة الهزيمة الإعلامية ، إلى الحد الذي جعلها حتى الآن تتعامل ببرود شديد مع الحدث والنتيجة ، وتعلق الآمال في تقاريرها على المجلس العسكري ودوره في تقليص وتهميش وجود وصلاحيات الرئيس المنتخب والتأكيد على أن "العسكري" لن يسمح للرئيس الجديد بأن يشكل الوزارات السيادية ، وبوجه آخر لا تريد "العربية" حتى الآن الاعتراف بأن المعركة الانتخابية قد انتهت ، وأن لحكم مصر عنوانًا واحدًا الآن هو : محمد مرسي رئيس جمهورية مصر العربية.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.